Atwasat

الاصطفاف القسري في ليبيا

آمنة القلفاط الإثنين 22 أبريل 2019, 03:16 مساء
آمنة القلفاط

تتنوع اهتمامات الأفراد داخل المجتمع الواحد، أيا كانت ثقافته، وتتمايز أفكارهم.

فمنهم المحايد الذي لا يهتم بالقضايا السياسية، والمتعاطف الذي يؤمن بقضية ويؤيدها، وكما في كل مجتمع يوجد المتطرفون... الذين يبررون العنف، وإن بنسب متفاوتة، ويرون فيه الوسيلة لتحقيق الغايات. المتطرفون في العادة ينصبون أنفسهم، حماة لقضية أو معتقد.عندما يصل المتطرفون هؤلاء لموقع سيادي، فإنهم يحاولون بشتى الوسائل التمترس خلفه، واستغلال هذا المنصب في الدعاية وحشد الأنصار لما يؤمنون به، من فكر سياسي أو قضية أو معتقد، وهذا يتطابق مع ما يقدمه الرئيس الأمريكي ترامب عندما يتعلق الأمر بالحقوق الفلسطينية والتحيز العلني الواضح لطرف على حساب الطرف الآخر، كنموذج للتحيز. يتنوع التطرف وقد يكون دفاعا عن قضايا مجتمعية في شكل الدفاع عن الثقافة أو العادات والتقاليد والتاريخ وغيرها.

المعضلة: عندما يتحول التطرف إلى واقع عملي، كنتيجة. وهذا ما تعاني منه أغلب دول الصراعات، ومنها ليبيا.

التطرف في ليبيا حول قضيتين اختلط بينهما الأمر، بين من يدافع عن قيام الدولة المدنية، بكل الصعوبات التي تحول دون ذلك: من وجود للمليشيات إلى انتشار السلاح إلى شيوع ثقافة الغلبة والغنيمة عند من يمارسون السياسة وغيرها. وآخر يرى استحالة الوصول لتطبيق الديمقراطية داخل مجتمع قليل الخبرة السياسية والنشاط المدني، فتبنى خيار عودة الحكم العسكري. كلاهما يُخَون الآخر. متناسيين أن لكل منهما الحق في حياة كريمة على الأرض المشتركة وأن من حقهم على المجتمع الدولي والأمم المتحدة مساعدتهم في ذلك، وأن لا خيار سوى الخيار السلمي وحقن الدماء.

القاعدة أو الشريحة الأكثر في أي مجتمع يحبذون الحياة الهادئة بعيدا عن المشاحنات السياسية، ولا يؤيدون أي قضايا سياسية، يحبذون حياة مسالمة وبعيدة عن التجاذبات: المربكة والمحيرة والمرهقة، من وجهة نظرهم.
الذين يدافعون بكل الوسائل، المشروعة وغير المشروعة من أجل قضية أو جماعة، يؤمنون بأهدافها، هم الراديكاليون، وهم متطرفون في الرأي، كتحصيل حاصل. وعندما يصل الأمر، بالراديكاليين لمرحلة ترويع الآمنين واستهدافهم، فنحن هنا، نتحدث عن الإرهاب.

الشريحة الحاضنة والداعمة في تبني الدفاع عن وجهات النظر هذه أو القضايا السياسية في العموم هم النشطاء، الذين يشاركون في الأفعال وردود الأفعال تبعاً للأنشطة السياسية، أو أفكار ومعتقدات، يؤمنون بها...

الحرية المفرطة، دون وجود قوانين ووسائل المحاسبة والعقاب، ومع وسائل التواصل الاجتماعي، كلها عوامل ساعدت إلى حد كبير في إبراز وتغذية الراديكاليين ومتطرفي الرأي. أتاحت وسائط التواصل الاجتماعي، ووفرت بكل يسر وسهولة، إمكانية الحشد الهائلة التي تحققت من خلاله، إضافة إلى فقدان البوصلة نحو هدف قوي يجمع بين عموم الناس، مما ساعد على وصول الأمر حد الانفلات؛ وهذا ما أدى إلى تغول وزيادة أعداد المنضوين تحت أمراء الحرب وسادة السلاح والمليشيات. وجد المحايدون وخاصة من الشباب العاطل عن العمل والفاقد الأمل في الغد، والذين ليس لهم خبرة بالأنشطة السياسية السلمية وتقاسم السلطات، أنفسهم مدفوعين قسراً، لتبني الخيار العسكري مع أحد الطرفين المتصارعين، دون فهم وإلمام كافٍ بما يترتب عليه ذلك لصالح البلد ومستقبله. تناقص عدد المحايدين الذين يحبذون الحياة الهادئة، بعيدا عن الصراعات، ووجد البسطاء أنفسهم أمام ضرورة تبني أحد الخيارين: دولة مدنية بكل ما يتخللها من صعوبة وتحدٍ؛ وصل للمواجهة المسلحة عدة مرات. أو حكم عسكري، يرون فيه الخلاص، من وجهة نظرهم، لما تعانيه البلاد من تشرذم.

القضية الليبية مربكة ومحيرة لرجل الشارع البسيط، الذي لا يجد أمامه سوى محطات تلفزيونية تشجع على الاصطفاف وتدفع له دفعاً. شباب يتناقشون مستقبل بلادهم، برغبة وحماسة صادقة، لكن تبني أي خيارهنا ليس بالأمر الهين؛ مما يعني التحيز الشديد لأحد الأطراف في قضية ليست واضحة المعالم.

سهولة توجيه الرأي العام من قبل البعض واستغلالهم لكي يوقدوا الحروب رجع بنا إلى الوراء ودفع بدرجة الاحتقان في الشارع إلى أعلى درجة ومكن بعض القوى التي خبا بريقها من الرجوع بقوة متصدرة المشهد الذي يزداد تعقيدا، وفق المعطيات، يوما بعد آخر.

الواجب يحتم على الجميع، وخاصة ممن (يوجهون الرأي العام ) زيادة درجة الوعي، وفهم حقيقة أسباب الصراع، والنأي عن كل القضايا الخلافية محل الجدال، في المرحلة الحالية على الأقل. وتبني الخطاب المحايد البناء، الذي يجمع القلوب، قبل العقول.

نحتاج الكثير، لبناء وطن ودولة الجميع، ولعلها محاولة للتوضيح يتبعها إصلاح.