Atwasat

... وإلاَّ الذبح

محمد عقيلة العمامي الإثنين 22 أبريل 2019, 01:21 مساء
محمد عقيلة العمامي

هل كل الذين حكموا أمريكا- مثلا- قادة جيدون وكانوا لأمريكا سببا فيما وصلت إليه؟ وهل بقية الذين حكموا أوروبا منذ عصورها المظلمة حتى الآن هم في الحقيقة وراء نهضتها وأنهم جيدون؟

لا أذكر أن كتبهم وكتابهم تحدثوا عن أحد بسوء، حتى الرئيس نيكسون الذي أسقطت رئاسته بسبب ثبوت تجسسه على خصمه فكانت أكبر فضيحة سياسية في تاريخ أمريكا وصلت ذروتها باستقالة الرئيس نيكسون في أغسطس 1974، ومع ذلك أصدر الرئيس جيرالد فورد عفوا عنه. في أوروبا أيضا بضعة فضائح جنسية لحقت بوزراء فما كان منهم إلاّ أن استقالوا، لعل أشهرها فضيحة (جون بروفومو) وزير الحرب وكريستيان كلير سنة 1960 التي أسقطت تداعياتها رئيس الوزراء هارولد ماكميلان، الذي استقال من منصبه، وأيضا من رئاسة مجلس العموم.

ولكن في بلادنا يختلف الأمر كثيرا، فما إن يتوفى الله رئيسا عربيا، سواء أكان موتا طبيعيا، أو إطاحة، أو اغتيالا، حتى تبتدئ طاحونة الإعلام الحقيقي أو المزيف في النيل من كل ما له صلة بهذا الرئيس.

ولم يكن هناك "أمة عربية واحدة "، ولا مصطلح "قومية عربية" إلاّ من بعد تولي الرئيس جمال عبد الناصر رئاسة مصر، فهو الذي أوجد فكرتها، ثم إبرازها ثم كانت سبب رحيله. كان عبد الناصر هو بطلنا القومي وعلى الرغم من هزيمة 67 لم يتخلَّ معظم جيلي، لا عن عبد الناصر ولا عن أحلامه. أنا لست بصدد الحكم أو الدفاع عن العروبة والإسلام ولكنني بصدد التأكيد عما منحه لجيلنا من ثقة في عروبتنا وإسلامنا. التاريخ الحديث لم يسجل التفافا حول زعيم بالدرجة التي التف بها حوله، ولا يذكر وداعا لرئيس راحل كالوداع الذي ودعناه به، ومع ذلك لم تمض أسابيع على توسيده الثرى حتى شاهدت من شرفة غرفتي بفندق الهيلتون عمالا ينقلون تماثيله إلى سطح مبنى الاتحاد الاشتراكي، الذي أصبح فيما بعد مقرا للحزب الوطني.

ولم تمض أشهر حتى سمعنا عجبا عن الملك حسين، والرئيس صدام حسين، ومعمر القذافي بل وطالت الحبيب بورقيبه الذي شهد له أعداؤه قبل أصدقائه بكفاحه من أجل استقلال تونس.

الكثير مما قاله بورقيبه في ستينيات القرن الماضي، استهجنه معظم جيل تلك الحقبة، بل هوجم من أنظمة عربية وإسلامية كثيرة، والآن الكثير منهم يرونه ويسمعونه بل وكثيرون منهم يؤيدونه.

البحاث والكتاب يقولون أن بورقيبة سيطرت عليه عاطفتان متناقضتان: أولهما استقلال تونس التي أحبها كثيرا، وأن يجعلها وثيقة الصلة بفرنسا التي كانت تستعمر البلاد. كان يؤمن بفرنسا وشعبها وبتقدمها وديمقراطيتها ويؤمن أيضا بشمال أفريقيا ويريد له الاستقلال. وهذا من الناحية العلمية لا يعد أبدا تناقضا، لأن ما نراه تناقضا هو في الواقع الحلم الذي نلهث وراءه. إنه في الواقع كان يريد لتونس أن تكون دولة ديمقراطية، حرة ومتقدمة؛ ولكنه واجه واقعا مريرا وهو صعوبة التوفيق بين حرية شعوب شمال أفريقيا وسياسة فرنسا الاستعمارية في ذلك الوقت، التي كانت ترى أن الجزائر قطعة من فرنسا. ولقد وصل إلى قناعة أنه يستطيع أن يعيش في فرنسا مثله مثل أي فرنسي، أما في وطنه فهو أقل مرتبة من مستعمريه، ولعل ما ساعده كثيرا هو بالإضافة إلى كفاحه كان لا يؤمن بالنظام الاشتراكي خصوصا في الصناعة، وكان صريحا في معاداته للشيوعية ونظامها الاشتراكي واستمر في قناعاته وكفاحه إلى أن استقلت تونس.

معظم الدول التي تأذت من الاستعمار الغربي لجأت إلى الكتلة الشرقية وحاولت أن تطبق النهج الاشتراكي لكنها لم تنجح أبدا على الرغم من نيلها استقلالها ولكنها لم تصل إلى الغاية المرجوة التي يحلم بها مواطنوها، ولم تنطلق تماما إلى الرخاء إلاّ بعد أن مارست الحرية الاقتصادية واضعة نصب أعينها - مثلما أكد القرآن الكريم - أنه لا يستوي القاعدون والمجاهدون في سبيل تحقيق الأهداف، وأن لكل دولة ظروفها ومشاكلها وقناعاتها، وفوق ذلك كله توافق كل أبنائها والتفافهم حول نهج واحد، هو رخاء وأمن واستقرار وطنهم وهذا هو سبب المشكلة. يحب أن نتفق على تبادل السلطة، من خلال كتل لها آراؤها وبرامجها لخدمة أبناء وطنهم قبل كل شيء، وذلك من خلال انتخابات نزيهة نتقبل نتائجها بروح حضارية عالية.

سبب مشكلة ليبيا، باختصار شديد، أنه هناك من لا يريد سوى رأيه وقناعته.. وإلاّ الذبح!.