Atwasat

حول الحلاقة

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 21 أبريل 2019, 12:08 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

قيل أنه توجد بحديقة في الصين ثلاثة تماثيل متجاورة، واحد لماركس بلحيته المتسعة الكثة، وثانٍ للنين بلحيته النصفية، وثالث لماوتسي تونغ بدون لحية، بسبب ندرة شعر الوجه لدى الصينيين. ظريف صيني علق في المكان لوحة مكتوبا عليها: "تطور الحلاقة في العالم"!

فمتى بدأت فكرة الحلاقة لدى الإنسان تاريخيا، وكيف ظهرت مهنة الحلاق؟

تشير المكتشفات الأثرية إلى أن الحلاقة، لدى الرجال، ظهرت مع إنسان الكهف. فقد وجدت رسوم داخل الكهوف يعود تاريخها إلى 30000 سنة قبل الميلاد لأدوات حلاقة مصنوعة من أصداف البحر وأحجار الصوان. وهي بالطبع أدوات حادة لا توفر حلاقة سلسة وتسبب جروحا.

لكن الفترة الواقعة بين 30000 و 6000 قبل الميلاد تطورت أدوات الحلاقة من الأصداف والصوان والزجاج البركاني الأسود إلى شفرات دائرية من البرونز اكتشفت في مقابر المصريين القدماء الذين وجدت لديهم عادة حلق شعر الرأس واللحية. ومن ثم ظهرت مهنة الحلاق وبدأ بعض الأثرياء يستأجرون حلاقا يقيم لديهم واكتسب الظهور بلحية دلالة على الوضع الطبقي المتدني لملتحيها. كانت شفرات حلاقة الملوك في تلك الحقبة مطرزة بالجواهر، وكان معتادا أنه حين يموت الملك يدفن معه حلاقه وشفرات الحلاقة ليتمكن من العناية بنظافة جسده من الشعر في عالم ما بعد الموت. ومع ذلك حافظت اللحى على دلالتها على رفعة المكانة والقوة، ولذا نجد صور الملوك على جدران المعابد بلحاهم في الاحتفالات الهامة.

في اليونان القديمة كان ينظر إلى اللحية على أنها رمز الحكمة والرجولة، وكان اليافعون لا يحلقون شعر رؤوسهم إلا عندما تأخذ لحاهم في الظهور. ولا يقص الرجال لحاهم إلا في مناسبات الحزن حيث ينتفونها أو يحرقونها بالنار. وحين يتوفى الرجل يقوم أقرباؤه بتعليق خصلات من لحيته على باب المنزل. ظلت اللحية اليونانية تحمل أهمية خاصة إلى أن تقلد الإسكندر الأكبر العرش فأمر جنوده بالتخلص من لحاهم كي لا يمسكهم أعداؤهم منها في المعارك.

أما الرومانيون القدماء فقد آثروا حلاقة اللحية تماما ليتميزوا عن اليونانيين، وكانت الحلاقة الأولى لأي رجل تعتبر بمثابة شعيرة دينية يحتفل بها أمام الأصدقاء والأقارب، ويُحتفظ بخصلات من أول حلاقة للحية، من ذلك أن الإمبراطور الروماني احتفظ بخصلات من أول حلاقة للحيته في صندوق ذهبي خاص مرصع باللؤلؤ.

في بعض الأديان ارتبطت الحلاقة بطقوس دينية، مثل الطهارة.

من الناحية المهنية ظهر أولا الحلاقون المتجولون، وازدهرت محلات الحلاقة الثابتة في اليونان مع القرن الخامس قبل الميلاد. كانت مهنة الحلاق في البداية مختلطة مع مهنة الجراح، حيث كان الحلاق يقوم بعمليات الختان والحجامة وخلع الأسنان، إلخ، ثم اقتصرت هذه المهنة لاحقا على قص شعر الرأس وحلاقة الوجه.

أقدم محل حلاقة اكتشف حتى الآن يوجد في منطقة سوبار بالعراق ويعود تاريخه إلى الألف الثاني قبل الميلاد، وهو محل حلاقة نسائي، وكان عبارة عن قبو دائري فيه مرآة وفي الجانب الآخر أحواض متعددة لغسل الرأس ووجد أسفل المرآة مساحيق تستخدم لصبغ الشعر أو إزالته كما وجدت أوانٍ في داخلها أدوات لقص الشعر، وكذلك عثر على بعض الشعر المتفحم. وتدل الموجودات التي عُثر عليها على أن هذا المكان كان محل حلاقة نسائيا عاما وليس خاصا. لأن هذه الموجودات لم تكن في القصر الكبير، أي أنها لم تكن تابعة للملكة أو الأميرات، بل وجدت بين بيوت عامة الناس.