Atwasat

فعلا.. أين يذهب العقل؟!

سالم العوكلي الثلاثاء 16 أبريل 2019, 02:23 مساء
سالم العوكلي

في مقالته "أين يذهب العقل؟!"المنشورة بموقع بوابة الوسط، 14 أبريل 2019، يستطرد الزميل عمر الككلي لتوضيح الالتباس الذي وقع فيه بعض المعلقين على إدراجه التالي على صفحته على الفيس بوك: "أي جيش يتحدث عن ‘‘القوات المساندة‘‘ ليس جيشا". معتبرا أن بعض التعليقات نظرت إلى المنشور بعين واحدة، حيث كان "يقصد الطرفين المتقاتلين، فأحدهما يسمي نفسه الجيش العربي الليبي (يتزعمه المشير خليفة حفتر) والآخر يسمي نفسه الجيش الوطني الليبي (يتبع حكومة الوفاق) وكل منهما يستخدم تعبير "القوات المساندة"."، ومن خلال تحليله لطبيعة القراءة المتعجلة أو المنحازة يصل إلى أن "ثمة أشخاصا نابهين ومثقفين يتحلون بالموضوعية في تناول أمور متعددة ومتنوعة، لكن مدنهم أو قبائلهم أو إثنياتهم أو أقاليمهم تتحول إلى ‘‘ثقوب سوداء‘‘ تلتهم موضوعيتهم وتغيبها عندما يتعلق الأمر بطرح مسائل ذات علاقة بهذه ‘‘القواعد‘‘ أو الانتماءات، ويصبح الشعار الضمني: ‘‘لا صوت يعلو على صوت قبيلتي أو إثنيتي أو مدينتي أو إقليمي‘‘". وبغض النظر عن قابلية هذا الإدراج للجدل حتى بعد رفع الالتباس عنه إلا أن كاتبه كان من المفترض أن يتوقف أيضا عند خطل الإدراج المختزل بشكل قد يسيء الفهم، ولا يُحمُل القارئ فقط مسؤولية القراءة الخاطئة، لأن ما أوضحه الككلي في المقالة كان قابعا داخله ولم يظهر في الإدراج بأي شكل، وقد تترك مساحة بياض لتأويلات القارئ في الشعر أو الأدب عموما، لكن حين يكون السياق إخباريا وتقريريا متعلقا بتوصيف واقعة راهنة وإلقاء حكم نهائي عليها لابد من التوضيح حتى لا يقع الالتباس، ولأني أحد المعنيين بهذه الإشارة الذين اعتبرهم الزميل عمر غالبيتهم من "شطرنا الشرقي" أحببت أن أوضح موقفي الذي اعتبره شخصيا ـ بعيدا عن قراءة العين الواحدة ، ولأسباب سأذكرها عبر هذا الحوار ــ دفاعا عن وجهة نظري، وموضحا تفاصيل أخرى قد لا تكون لها صلة بما ورد في المقالة المذكورة. بالنسبة لي، ووفق المسار السياسي الذي اختاره الليبيون بعد سقوط النظام، وبناءً على القرار رقم ( 20 سنة 2015) الذي قرر بموجبه القائد الأعلى للجيش الليبي (رئيس مجلس النواب المنتخب من الليبيين) ترقية رقم/ 519 / لواء خليفة بالقاسم حفتر / إلى رتبة فريق بالجيش الليبي، وتعيينه قائدا عاما للجيش الليبي، ويتولى كافة الاختصاصات المنصوص عليها في التشريعات النافذة. فإن فالشرعية التي سأكون معها تقول بجيش واحد موجود على الأرض الليبية وفق المسار الذي اخترناه، تحت تسمية "الجيش الليبي" وليس كما ورد في المقالة "الجيش العربي الليبي" لأن القرار الصادر عن رئيس أعلى سلطة تشريعية باعتباره القائد الأعلى للجيش يذكر تسمية "الجيش الليبي" فقط، في نصه. وبناء على هذا المسار لا يحق لأي جهة أخرى غير مخولة دستوريا أن تشكل جيشا ويكون شرعيا، قد يُنتقد هذا الجيش حيال سلوك بعض منتسبيه أو حيال تحالفاته، أو حيال استخدامه لقوات مساندة، ولكن لا يمكن نزع تسمية الجيش عنه، ولا يمكن نزع الشرعية عنه إلا بقرار من السلطة التشريعية نفسها أو من سلطة أخرى ينتخبها الليبيون. لذلك بمجرد أن قرأت الإدراج بعيني الاثنتين ذهبت إلى الجيش الوحيد في ليبيا المتخذ بشأنه وشأن قياداته قرار من السلطة التي شاركتُ في انتخابها. قد يقول قائل إن الواقع على الأرض غير ذلك، وهذه ليست مشكلتي طالما اخترت المسار الدستوري الذي أُقِر بعد سقوط النظام مهما كنت معترضا على الكثير من مخرجاته التي لا أوافق عليها، لكني مرارا ذكرت أن علينا أن ندافع عن مجلس النواب (السيء بالنسبة لي) لأنه الجسم الوحيد الذي يشكل امتدادا للدولة المدنية وللاحتكام لصندوق الانتخابات الذي يحدد الشرعية، وفي هذه الحالة سيكون الحديث عن جيش آخر في المنطقة الغربية هو الناتج عن انتماءات إثنية أو جهوية أو قبلية، إلى آخر ما ذكره أخي عمر، لأنه ليس ناتجا عن شرعية جسم يحق له دستوريا تشكيل جيش بقياداته، خصوصا وأن الاتفاق السياسي الذي تمخض عنه المجلس الرئاسي لم يُضمّن في الإعلان الدستوري، ووفق هذه الحالة فعمله خارج الشرعية، وحتى لو ضُمِّن فإن قراراته تتخذ بموافقة جميع أعضائه الذين يتمتع كل واحد منهم بفيتو خاص، وهذا ما لم يحدث في أي قرارا اتخذه المجلس الرئاسي.

أما حين يطلق على هذا الجيش "قوات حفتر" أو "قوات الكرامة" أو "جيش الشرق" أو كما تقول قناة الجزيرة "قوات اللواء المتقاعد حفتر" فهذا إهانة لإرادة الليبيين، ولسيادة سلطاتهم الشرعية، وخياراتهم التي تمخضت عن انتخاب مجلس نواب يمثلهم، أصدر رئيسه، القائد الأعلى للجيش قرارا بتسميته "الجيش الليبي" وبتسمية قياداته، وكما أعتقد وعلينا (بالعقل وحده) أن لا نستخدم تسميات وسائل الإعلام ونطلقها على مؤسساتنا الشرعية التي سميت دستوريا وقانونيا.

أعادت أعلى سلطة تشريعية اللواء الذي أحاله المؤتمر الوطني ــ كسلطة تشريعية سابقة ــ على التقاعد، إلى الخدمة، ورقّتْه إلى رتبة فريق وعينته قائدا عاما للجيش، والإصرار على قول "اللواء المتقاعد" من قبل قناة الجزيرة يؤكد أن لا قرارات ولا قوانين نافذة في ليبيا إلا ما توافق عليه السلطات في قطر التي مازالت متمسكة بقرارات المؤتمر الوطني التي اتخذ معظمها، والمقر أمامه 200 تابوت، ورغم ذلك كانت تلك القرارات المجحفة نافذة رغم اعتراضنا عليها من باب انتقادها وليس رفع الشرعية عنها، ومنها "قانون العزل السياسي" و "وقرار رقم 7 " الذي سمح لميليشيات مدينة أن تهاجم مدينة أخرى لتصفية حسابات عمرها أكثر من قرن. لكننا رغم سوء هذا القانون وهذا القرار، ورغم الضغط عن طريق التوابيت، لا يمكننا أن نؤرخ لها بأنها غير شرعية ، فهي قرارات سيئة ،لكنها شرعية ، اتخذتها أعلى سلطة تشريعية انتخبها الليبيون، وعلى الليبيين أن يتحملوا مسؤولية خياراتهم.

هذا ما يخص الشرعية، وإذا ما أردت تجاوزا أن أتحدث عما يحدث فوق الأرض وأفرق (تجاوزا) وبالعقل، بين الجيش الليبي وبين الجماعات المسلحة في طرابلس التي معظمها لا يعترف بأية سلطة في الغرب أو الشرق، فإن هذا الجيش الذي تشكل في الشرق يتلقى أوامره من قيادة واحدة، ولو جاءه الأمر بأن ينسحب فورا سينسحب، ولو جاءه الأمر بأن يسلم جميع أسلحته إلى المعسكرات سيفعل فورا، بمعنى استطاع الجيش أن يحتكر السلاح الثقيل والمتوسط تحت إمرة قياداته في المنطقة المسيطر عليها، وخلال أسبوع واحد باستطاعته أن ينزع السلاح أو يجمعه في المناطق المسيطِر عليها عبر أمر مكتوب يصدر من القيادة، وإذا ما تحدثنا بالعقل سنتساءل: أية قوة أو قيادة موحدة أو مرسوم من الممكن أن يجمع السلاح أو ينزعه في المنطقة الغربية المسيطر عليها من قبل مئات الميليشيات والجماعات المسلحة التي يتزعمها مدنيون، ولكل جماعة ولاءاتها الأيديولوجية أو القبلية أو الإثنية أو المصلحية أو الجهوية أو الخارجية.

وإذا ما تحدثنا عن الواقع السياسي أو (الوطني العاطفي)، فإن للجيش معارضين في الشرق هم الفيدراليون سابقا، الانفصاليون حاليا، لأنه يقوض مشروعهم لتقسيم ليبيا. أما ما يتعلق بنوايا الجيش أو قيادته فليس من العقل أو المنطق أن نحاكم شخصا أو مؤسسة وفق الحدس أو النوايا أو توقعاتنا بما سيفعل مستقبلا، خصوصا أن القائد الأعلى والقائد العام عبرا مرارا عن حرصهما على الدولة المدنية وحماية مؤسساتها واستحقاقاتها، وكما يقول المثل الليبي "اللي يعطيك حبل كتفه بيه" وهنا من المفترض أن تكون معركة النخب: وحدة ليبيا التي لا تضمنها إلا مؤسسات سيادية موحدة، ضمنها الجيش الشرعي وفق ما ذكرت، والحفاظ على مسار الدولة المدنية بكل ما يتعلق بها من استحقاقات وقيم حقوقية، دون أن تتوقف عن نقد المؤسسات الشرعية وأخطائها. أعتقد أن هذه معركتنا التي علينا أن نخوضها بالعقل، ونؤسس لها عبر تمسكنا بالمسار الانتخابي ومخرجاته وطريقه حتى وإن كانت طريقا ترابية وعرة مليئة بالحفر والتعرجات، لأننا نعرف إلى أين تفضي، وليس عبر الأوتوسترادات المريحة السريعة التي تحاول أن تقترحها لنا مبادرات القوى ذات المصالح، لكننا لا نعرف إلى أين تفضي.

فنحن، حين بدأنا ثورة فبراير، كنا لا نعرف إلى أين تؤدي، لكننا كنا نعرف إلى أين لا تؤدي.