Atwasat

أين يذهب العقل؟!

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 14 أبريل 2019, 12:54 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

في إدراج نشرته صبيحة الجمعة _12/ 4/ 20198) قلت فيه أن "أي جيش يتحدث عن ‘‘القوات المساندة‘‘ ليس جيشا"، نال مجموعة من الاستحسانات وممجموعة من الردود المدافعة التي رأت في إدراجي أنه يقصد جانبا واحد من أطراف الصراع القائم الآن في ليبيا (في غربها تحديدا) وهو قوات الكرامة. هؤلاء المعلقون كانوا ينظرون بعين واحدة لمضمون إدراجي وليس بعينين اثنتين. ولنكن واضحين: غالبيتهم كانوا من شطرنا الشرقي. على حين أنني كنت أقصد الطرفين المتقاتلين، فأحدهما يسمي نفسه الجيش العربي الليبي (يتزعمه المشير خليفة حفتر) والآخر يسمي نفسه الجيش الوطني الليبي (يتبع حكومة الوفاق) وكل منهما يستخدم تعبير "القوات المساندة".

البعض، تمشيا مع رغبتهم في الدفاع عن قوات الكرامة [الجيش العربي الليبي] وقيادتها، عللوا ذلك بأن المقصود فرق الكشافة وما في حكمها. وهو تعليل واضح الخطل، لأن فرق الكشافة والدفاع المدني والإسعاف وما في حكمها، لا تسمى قوة مساندة، لأن لفظ قوة ينصرف إلى الدلالة على القوة المقاتلة. أصوات أخرى، منها من هو أكاديمي متخصص في العلوم السياسية من شطرنا الغربي، قال أن المقصود قوة الاحتياط. وهذا ليس صحيحا. لأن مصطلح الاحتياط، كما أكد ذلك عسكري صديق ذو رتبة رفيعة من شطرنا الشرقي، يعني "الذين أدوا مدة الخدمة العسكرية" الإلزامية، وتعني كذلك، حسب علمي، العسكريين الذين أنهوا عقود خدمتهم الموقعة مع الدولة. الأمر الذي يعني أن قوة الاحتياط تتبع المؤسسة العسكرية التابعة للقيادة السياسية للدولة وتأتمر بأوامرها، مثلما نتحدث في كرة القدم عن اللاعب الاحتياط، فهو منتم لنفس الفريق وتلقى نفس التدريبات ويُدخل من قبل المدرب (القائد العام للفريق) إلى حلبة الصراع عند الحاجة. وليس مشجعا أو نصيرا تطوع لمساندة اللاعبين. كذلك هو الشأن في المدرس الاحتياط. لكن مصطلح "القوات المساندة" هو إبداع ليبي ولدته حالة الفوضى القائمة وحركة التحالفات، ويدل على جماعات مسلحة مستقلة لا تتبع قيادة المؤسسة العسكرية المفترض أنها، بدورها، تابعة للقيادة السياسية التي تقود الدولة.

هذا النقاش الذي أوردته أعلاه، يدل بالنسبة إليَّ، على غياب العقل، حتى لدى بعض المتحلين بالتفكير العقلاني، في منعطفات حادة.

في مقال سابق عنوانه "الموضوعية و ‘‘الثقوب السوداء‘‘"* قلت بالخصوص:

" في الحالة الليبية، مثلا، ينبغي أن يكون تقييمي لمجرياتها غير محكوم بتوجهي الآيديولوجي أو انتمائي إلى قبيلة بعينها أو مدينة محددة أو إثنية أو إقليم من أقاليم الجسد الليبي. فلا ينبغي أن أستخدم معايير تقييم مختلفة عندما يتعلق الأمر بالجوانب التي تكون جزءا من عواطفي".

وأشرت في ذلك المقال إلى أن "ثمة أشخاصا نابهين ومثقفين يتحلون بالموضوعية في تناول أمور متعددة ومتنوعة، لكن مدنهم أو قبائلهم أو إثنياتهم أو أقاليمهم تتحول إلى ‘‘ثقوب سوداء‘‘ تلتهم موضوعيتهم وتغيبها عندما يتعلق الأمر بطرح مسائل ذات علاقة بهذه ‘‘القواعد‘‘ أو الانتماءات، ويصبح الشعار الضمني: ‘‘لا صوت يعلو على صوت قبيلتي أو إثنيتي أو مدينتي أو إقليمي‘‘".

وختمت المقال بالتأكيد على أن هذا "يخل بمسؤولية المثقف الكاتب إزاء التنوير ومحاولة الاقتراب من الحقيقة، ويخل، ليس بالأمانة العلمية فقط، وإنما أيضا بالمسؤولية الوطنية والإنسانية".