Atwasat

السيبة ومخزن الغنيمة

نورالدين خليفة النمر الأحد 14 أبريل 2019, 12:53 مساء
نورالدين خليفة النمر

حبك قائد مسمى الجيش الليبي،عبر عضويته لتنظيم ضباط انقلاب سبتمبر 1969 تواصلات مع الجهات الخارجية تاريخها يمتد إلى عام 1973، عندما سمح له المصريون لأسباب شخصية، دون غيره من ضباط انقلاب سبتمبر 1969، الذين أُحرجوا أمام مبدئهم الوحدوي بمشاركته الرمزية في حرب أكتوبر 1973، ثم التحاقة ببرامج التأهيل العسكري في الاتحاد السوفياتي، باجتيازه دورة قيادة الفرق؛ وبعدها سقوطه أسيراً في حرب تشاد الذي ألجأه للانضمام لجبهة إنقاذ ليبيا واللجوء إلى أميركا والإقامة في ولاية فرجينيا عشرين عاماً تحت نظر وكالة الاستخبارات الأميركية. آخر المتواصلين معه الفرنسيون الذين راهنوا عليه في أن يتبنى مصالحهم إزاء منافسيهم الأوروبيين في ليبيا عبر برقة التي تخلى عنها البريطانيون لصالح مصراتة النافذة في حقبة مابعد سقوط النظام الدكتاتوري بالثورة الشعبية 2011.

في البيئة التي نشأ فيها جيلنا المولود مع الاستقلال الليبي 1951، يكون التوّجه إلى الثقافة باقتناء الكتب محكوما بالصّدف، التي وجّهتني إحداها ذلك اليوم من عام 1971 وأنا في طريق مشيي من بيتي إلى المدينة ، إلى مدخل عمارة حيث قبع محاديه كُدس كتب رماها أحد السكنة، وأعتقد أنه عسكري من بلدٍ عربي مشرقي تمت الاستعانة به في الجيش الليبي الذي صار مفتوحاً بسبب التوجه الوحدوي أمام الخبرات العسكرية العربية. مالفتني فيها عناوينها: كتاب الاستراتيجية وتاريخها في العالم لـ ب.هـ. ليدل هارت، وكتابان للجنرال آندريه بوفر: الحرب الثورية، وبناء المستقبل. هذه الكتب المرمية التي التقطتها فرحاً بها أسست لاهتمامي بالقراءة في هذا المجال العسكري الذي صار من أبرز اهتمامات جيلنا الصاعد في المجتمع الليبي الذي هيمن عليه العسكر بعد انقلابهم على الملكية عام 1969. وفي عام 1979 انتدبت ليوم واحد من عملي بالمنشأة العامة لنشر الكتب، إلى الكلية العسكرية للمساعدة في تصنيف كتب وُرّدت للمكتبة، وبمحض الصدفة التقيت بضابط كان يسبقني بعام زميلاً أجبره الدكتاتور الليبي المُسقط عام 2011 بعيد حصوله على الشهادة الثانوية، على التوجه للعسكرية بعد لقاء بطلاب مدرسة علي النجار صيف 1973. أخبرني الضابط أنه معلمّ بالكلية، وأنه لإلمامه بالفرنسية غالباً مايكون مترجماً عن آندريه بوفر الذي تستدعيه الكلية للمحاضرة في طلابها من الضباط .

في كتابه مبادئ الاستراتيجية العسكرية يستند ج.ج. فيييجر على قول لكلاوسفيتز "إن الاستراتيجية تعمل على توطيد نقطة في مكان ما وفي زمان ما، وأن عدداً من القوات متوجهة في هذا المكان وفي هذا الزمان" ويضيف فيييجر بأن "الأستراتيجية تتناول مشكلات الصراع والحرب والتي تتألف من القوة والمكان والزمان. وهي في معناها العام عبارة عن فن التوظيف المباشر للقوات العسكرية ، من أجل أفضل تأمين وحماية للحصول على أهداف الحرب"

الجنرال بوفر اشتهر عندي بجملة وردت في كتابه: بناء المستقبل، لاتزال عالقة بذهني: "أن العملية العسكرية هي القوة اللي توصّل لتحقيق أهداف السياسة". والمعنى أنه في أغلب نزاعات التاريخ يكون هناك مبدأ إستراتيجي يقوم على عملية سياسية "political process " مركزية تتخلّلها عمليات Operations ، من ضمنها أعمال حربية. أنا أميل لترجمتها بالعملية العسكرية "Military operation " ومضطر أن أستدعي مصطلحاً مغاربيا قرووسطيا لمقاربتها بالـ "حركة" لإظهار مؤقت لنفوذ المخزن السلطاني مركز السلطة على السيبة أو المناطق الخارجة عن نفوذه أو المتخففة منه. نقلب موضعيا التعريف لتوصيف الهجمة الاحترابية على إقليم طرابلس 4 أبريل 2019 لقائد مسمى الجيش الوطني. الذي يتوّهم في الشرق الليبي جيشاً يفتقد لأدني مقومات الجيش النظامي، ووطنيته متماهية مع طموحات قائده، الذي وصفه بحصافة كاتب في صحيفة الوسط الليبية في مقال له استدعاءً لرواية إسماعيل كادريه: بجنرال الجيش الميت. مستهدفاُ العاصمة المركز منطلقاً من سيبة لاتحدّدها جغرافيا بشرية أو طبوغرافية. مما يجعل من قطعية البيان الإيطالي في رفض هجوم مدعاة للسخرية، كونه يدعو إلى الوقف الفوري للعملية العسكرية، التي شعارها "الفتح المُبين" وأن تعود القوات المهاجمة باسم قيادة الجيش إيّاها إلى مواقعها السابقة غير المعروفة التي انطلقت منها.

في كتاب ليدل هارت. تتلخص استراتيجية الهجوم غير المباشر بأنها تهدف إلى مفاجأة الخصم من ناحية غير متوقعة، لأن الهجوم من جهة يتوقعها العدو لايؤثر علىه فتستمر قدرته على المقاومة. ربما حملة الفتح المبين توّخت الشروط الأدني لحركة الهجوم غير المباشر التي ألمح إليها هارت. فالحملة على طرابلس تحاشت المسار الذي يجعلها تصطدم بقوات مدينة مصراتة التي تضاهيها في القوة التسليحية والحجم، بل تفوقها في حسم المعركة كما شهدناه في حملة البنيان المرصوص على داعش سرت والتفت عليها لتكون في غريان، وصبراته، والعزيزية، بل تصل على مشارف غرب طرابلس بجنزور. بصمات الاستشارة الروسية هنا واضحة والتي كشفت ستارها جريدتا "ذي صن، وذي تلغراف"البريطانيتان، بأن موسكو أرسلت عشرات من ضباط وكالة الاستخبارات العسكرية الروسية وعناصر من قوات “سبيتسناز”، وهي وحدة القوات الخاصة التابعة للجيش الروسي، إلى الشرق الليبي الذي تهيمن عليه قوات الكرامة بمسمى الجيش الليبي وأن الروس يقومون بمهام تدريب ومراقبة، تحت غطاء شركة روسية عسكرية خاصة تسمى (مجموعة فاغنر)، لها مقرات في بنغازي وطبرق. بصمات الاستشارة الروسية، وإبرام بعض التفاهمات مع الجماعات المسلحة من بقايا جيش النظام المُسقط في 2011، والقبائل المحلية بمحيط طرابلس، دفعا قائد مسمى الجيش الليبي إلى أن يعتقد خطأ أن دخوله في هذا التوقيت سيجعل كافة الأطراف ترتبك لصالحه، وهو ما لم يحدث بدليل خسارته المواقع التي سيطر عليها سريعًا، بالإضافة لآلياته العسكرية.

في مقال نشره موقع معهد الشرق الأوسط في واشنطن، ترجمته بوابة الوسط الخميس 26 أبريل 2017 الوسط الليبية يذكر جوناثان واينز، المبعوث الأميركي السابق إلى ليبيا، أنه التقى قائد مُسمى الجيش الليبي في الأردن والإمارات، وعقد معه جلسات طويلة في النصف الثاني من 2016، وأنه أبلغه بصراحة "برؤىته بأن جميع السياسيين الليبيين لا قيمة لهم، وأن السبيل الوحيد لإرساء الاستقرار في ليبيا وأن السيطرة بالقوة على أكبر مساحة كافية منها، بما يجبر البقية على قبول سلطته. وأنه سيقوم بعدها بحل الحكومة والأجسام التشريعية، وتعيين حكام عسكريين في المدن، ومدنيين لتولي مسؤولية التعليم والخدمات الصحية، وعندما تصبح الدولة مستعدة للديمقراطية، بعدها سيكون سعيدًا بعودتهم إلى الثكنات“.وذكر أيضًا: "لتأمين الدولة، إنه سيتأكد من أن الإخوان المسلمين والمتشددين الإسلاميين والإرهابيين وأتباعهم في المنفى أوالسجون أو المقابر". هنا يبدو مكمن النقص وفداحته.