Atwasat

في انتظار المعجزة

آمنة القلفاط الإثنين 08 أبريل 2019, 01:15 مساء
آمنة القلفاط

الكل ينتظر نزول معجزة من السماء، معجزة تنهي المتصدرين للمشهد السياسي في ليبيا، معجزة تجمع كل السلاح، الكل يتمنى وينتظر معجزة من السماء لكي تختفي ملايين قطع السلاح، يعيش الليبيون بعدها رافلين في الأمن ومتنعمين بنومهم الهاديء. معجزة تجمع المبعثر، وتلملم المشتت. معجزة توفر السيولة والسفر والطيران والخدمات، فهم، أي الليبيون، لطفاء ومسالمون وطيبون جداُ ويستحقون العيش براحة وطمأنينة، وهذا يكفي للحصول عليها.

الليبيون لا يريدون الأحزاب السياسية، فهم يرونها السبب في ما آل إليه حالهم نتيجة الانتخابات، الليبيون لا يريدون الجماعات المسلحة والمليشيات، لكنهم لا يمانعون في صرف الرواتب لهم، الليبيون يشتكون من البنية التحتية الهشة، لكن جل ميزانية الدولة تذهب لمرتبات دون عمل، بل إن بعضهم يتقاضى أكثر من راتب، إنهم يلعنون الاستقواء بالأجنبي والدخيل، ولكنهم لا يمانعون أن يساعدهم هذا الأجنبي ويقدم لهم الهبات والمساعدات، ويقصف بعضهم لأنه عدو بعضهم الآخر.

الليبيون يريدون دولة مدنية دستورية، لكنهم ينتظرون معجزة من السماء، إذ إن أهم مواد الدستور غير متفق عليها. يريدون دولة المواطنة، لكن المدن لا تعترف ببعضها البعض، وبعضها يرى أحقيته على الآخر. يرفضون بعضهم البعض، فكريا وآيديولوجيا وعلى اختلاف مدنهم وتوزيعهم السكاني، هم يصنفون بعضهم البعض تبعا للمدينة والقرية والريف والقبيلة.

إنهم يعرفون جيدا ما يعنيه وجود ليبيا تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، لكنهم يرفضون تدخلها السافر في شئونهم، وهم لا يفعلون شيئاً في المقابل لحلحلة أزماتهم، لكنهم يعتقدون أن مندوب الأمم المتحدة، وكل من سبقه يتدخل في شئونهم، وأنه متحيز لبعضهم ضد بعضهم الآخر في كل مواقفه. هم يتفقون اليوم، ثم ينسون ما اتفقوا عليه، وينكرونه اليوم التالي.

هم لم يشاركوا في الانتخابات السابقة بجدية، وهم يلومون من انتخبوا. الغريب أنهم لا يفعلون شيئا، إنهم فقط ينتظرون معجزة من السماء، لتنهي مجلس النواب ومجلس الدولة وتقضي على كل الأحزاب وكل الساسة وكل مندوبي الأمم المتحدة.

هم يريدون راتب بلا عمل، وسيولة لا تنقطع، وسياسة مرنة بلا سياسيين، ودستور لدولة مواطنة لا يسمح بمن يختلف فكريا، من أهلهم، للعيش معهم.

إنهم يصدقون جميع المحطات الإذاعية وجميع المحللين، فما إن يقتنع أحدهم بوجهة نظر حتى ينسفها، ويتبنى أخرى فورا، هم لا يريدون عودة الديكتاتورية، لكنهم يصفقون بإصرار ويمجدون أشخاصا. هم يريدون حرية وديمقراطية وأمانا ومواطنة ودستورا وانتقالا سلميا وعدالة، كلهم يردد ذلك، وكلهم ينتظر معجزة ليتحقق ذلك. هم لا يريدون البدء من البداية، ولا فهم واستيعاب تبعات ما مر بهم، كل شيء ممكن، وكل شيء مرفوض.
أكيد أن بناء الدول ليس بالأمر الهين ولكنه لا يتأتى والحالة هكذا، يتوغل الكثيرون في فراغنا ولا نعرف الصديق من غيره، حالة من الفوضى والتوهان، تضربنا دون أن نعي أن الأيام تمر وفرص اليوم لن تكون متاحة غداً.

إنهم يتذمرون من كل الموجود، ولا يعتبرون من دروس وعبر الماضي. ولا سبيل لحل المعضلة، إلا معجزة من السماء!