Atwasat

الذين عاهدوا الله

محمد عقيلة العمامي الإثنين 08 أبريل 2019, 01:04 مساء
محمد عقيلة العمامي

أعترف أنني خجلت من نفسي اللوّامة عندما واجهتني فجر هذا اليوم بحقائق مخجلة. ولكنني أقسم بالحق وقوته أنني كنت غافلا فقط، ولست متعمدا. دعوني فقط أبرز ثلاث نقاط هكذا، كما هي من دون أية محاولة لخلق فرقعة، أو دهشة في عقولكم باعتبار أنها وسيلة أو خدعة يقوم بها الكاتب لشد انتباه قرائه.. لا لزوم لهذه الخدعة لأنني راجعت الكثير مما كتبته وانتبهت إلى أنني فعلا أقوم بهذه الوسيلة، بين حين وآخر.

انشغلت الأيام الماضية بقراءات عن شخصيات وطنية شريفة، ومؤثرة، وقدمت لبلادنا ما يرغمنا على تذكرهم وتذكير الناس بهم بفقرة بسيطة تتناول حياتهم، تذاع يوم رحيلهم - لأهميتهم - في نشرة الأخبار بقناة الوسط، التي أتشرف أنني انضممتُ إليها منذ تأسيس بوابتها.

بعض هذه الشخصيات التي قرأت عنها، منها من أعرفه معرفة شخصية، ومنها من سمعت عنه، ولكن آخرين - من بلادي - لم أسمع عنهم شيئا من قبل. كانت الفكرة أن نتذكرهم ونذكر الناس بهم، على الأقل ليترحموا عليهم، فهم برزوا فعلا في بلادنا، قاموا بما يستحقون عنه احترامنا لهم: مجاهدين، رياضيين،عباقرة، ظرفاء، كتاب شعراء، ممثلين، مدرسين، حكماء؛ منهم من عاش بيننا ومنهم من سمعنا عنه. منهم من خلقته دعاية إعلامية فنال من احترامنا أكثر مما يستحق، ومنهم من لم نعطه حقه، بل ظلمناه تماما. فبعض الأسماء عندما انتبهت إلى عظمة تاريخها، تعمدت أن أسأل بعضا من رفاقي أو أبناء جيلي وغالبيتهم مستنيرون، إن لم أقل متعلمون، اكتشفت وللأسف الشديد أنهم لا يعرفون الكثير منهم، قد يكونون قد سمعوا عنهم ولكنهم بالتأكيد لا يعرفونهم حق المعرفة، أعترف وللأسف الشديد أنني أحدهم. فإن غفلنا نحن عن الكتابة عن رجال بلادنا فمن سيكتب عنهم. قررت أن أحدثكم عن هذه الشخصيات، فيكون حديثي بمثابة اعتذار لهم ولكم.

محمود حسين بوهدمة، والد الأستاذ على بوهدمة، والدكتور عبد العزيز رفيق دراستي الابتدائية، كنا معا في فصل واحد بل في مقعد واحد، وأعرف من ذلك الزمن أن الشيخ محمود تولى مناصب في زمن المملكة، ولكنني لم أعرف حجم نضاله وجهاده من أجل قيام دولة المملكة الليبية المستقلة، إلاّ بعد بحثت وقراءات سيرة حياته المشرفة.

ولد في الزويتينه سنة 1896 وهناك مصادر تقول أنه ولد سنة 1898 وتعلم في كتاتيبها القرآنية، وترعرع في بيت ميسور الحال، مشهور بالعلم والكرم والعطاء. والده الحاج الحسين بوهدمه شيخ قبيلة (القبايل) بيت (الزغيبات) وما إن بلغ خمسة عشر عاما حتى وقع الغزو الإيطالي أواخر عام1911 فيما كان القائد (نجيب الحوراني) يجمع المجاهدين في معسكر (الفعكات) المعروف بنقطة نجيب جنوب القوارشه، التحق المجاهد محمود به، وبقي به إلى انضمامه إلى دور برقة البيضاء بقيادة قجة عبدالله القرعاني وشارك في كل المعارك التي دارت بتلك المنطقة. ثم شارك مع المجاهد صفي الدين السنوسي في معركة القرضابية الشهيرة التي وقعت في 15 أبريل 1915، والتي انتصر المجاهدون فيها على القوَّات الإيطاليّة الغازية، وأيضا معارك البريقة، بئر بلال، معركة (حيشان اجبيل)، الزّويتينة... وغيرها من المعارك، إلى أن أصبح نائب المجاهد قجه عبدالله.

وعندما قامت إمارة حكومة إجدابيا، كلفه الأمير إدريس السنوسي، بشغل مهام عميد بلدية إجدابيا ثمّ مدير أمنها إلى أن نقضت إيطاليا اتفاقياتها واحتلت من بعد وصول الفاشيست إلى الحكم، فاحتلت إجدابيا سنة 1923، وأصدروا سنة 1927بحقه حكما بالإعدام، فهاجر إلى مصر، وفي منطقة سي براني ومطروح، وأبي حمص عانى من الفقر والعوز صوره في قصيدة شعبية انتشرت في ذلك الوقت يقول مطلعها :

مال وقتنا والدين ما بدلنا *** وكل شىء جابلنا الزمان احملنا

شارك في اجتماعات فيكتوريا بالإسكندرية أواخر عام 1939م مع مجموعة من الزعماء الليبيين، كما شارك في اجتماعات 9 أغسطس 1940م بالقاهرة الذي تشكّل على إثره الجيش السنوسي الذي أسهم في تحرير البلاد، وقد احتفظ بوثائق ومستندات تلك الاجتماعات في نسخها الأصلية. وشارك في توقيع الميثاق الوطني يوم 6/ 8/ 1942 وعمل بهمة في حشد المجاهدين في الجيش السنوسي. عاد إلى الوطن عام 1943. واصل نشاطه الوطني فأصبح عضواً بالجبهة الوطنية ثم في المؤتمر الوطني العام في برقة، ثم عضواً في مجلس نواب برقة عام 1950م عن دائرته في إجدابيا، كما تعاطف مع نشاط جمعية عمر المختار هناك، واختير عضواً في لجنة الواحد والعشرين ثم في الجمعية الوطنية التأسيسية (الستين). عقب الاستقلال عين قاضياً مدنياً في بنغازي، ثم عضواً في المجلس التشريعي البرقاوي وانتخب رئيساً له في الفترة من عام 1952م إلى 1956م حيث عين رئيساً لمجلس الشيوخ إلى عام 1961م ثم صار والياً لولاية برقة خلفاً للسيد حسين مازق إلى يوم 26/ 12/ 1962م، وخلال عام 1968م عين عضواً بمجلس الشيوخ إلى أغسطس 1969م.

بعد أن أطاح القذافي بالنظام الملكي، جاء التحقيق معه كشهادة له على عفته ونظافة ذمته فلم يجدوا لديه شيئا يشوهه، حتى بيته الصغير كان مؤجرا من الدولة، ناهيك عن سيرة عطرة لرجل زاهد في الدنيا، ورع، وطني أنفق، ثروته على الجهاد. توفي يوم 3 أبريل 1993 ودُفن بمدينة البيضاء يوم 4 من الشهر نفسه.