Atwasat

ليبيكست

سالم العوكلي الثلاثاء 02 أبريل 2019, 01:54 مساء
سالم العوكلي

كلمة بريكست تعني انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي أو بريكزت (بالإنجليزية: Brexit) وهي عبارة عن دمج للكلمتين الإنجليزيتين British Exit. 

استهواني هذه المصطلح المركب لأصبغه على الحالة الليبية رغم اختلافه عما تذهب إليه إحدى أعرق الديمقراطيات فوق الأرض التي وجدت نفسها في قلب أزمة سياسية غير مسبوقة بعد أن أفضى الاستفتاء بشأن الخروج من الاتحاد الأوربي إلى موافقة نصف الإنجليز تقريبا على الرغبة في الخروج، بينما استعصى طريق الخروج الآمن حتى الآن، فدخول الحمّام الأوربي ليس مثل الخروج منه.

تحتاج ليبيا إلى ليبيكست ( Libexit) خاص بها ، والفارق بين الحالتين؛ أن بريطانيا دخلت في أزمة نتيجة البريكست بينما ليبيا تحتاج إلى ليبيكست للخروج من الأزمة.

بريطانيا التي لا يميل هواها إلى الفضاء الأوربي تحاول الخروج بشكل آمن من الاتحاد الأوربي المكون من 28 دولة لتستعيد السيطرة على حدودها وتلتحق دون إحراج بحليفها اليانكي خلف الأطلنطي، أما ليبيا فتحاول الخروج من تحت ضغط (اتحاد) دول وقوى داخلية توافقت ضمنيا، رغم تناقضاتها، على أن تعطل هذا الخروج من الأزمة طالما لا يضمن مصالحها، فهي ليست ضمن أي اتحاد حقيقي يشبه الاتحاد الأوربي، عدا ما يسمى "الاتحاد الأفريقي"، مجمع الفقراء الذي أسهم في تأسيسه القذافي بعد أن قام بـعملية (ليبيكست) من القومية العربية التي عينه عبد الناصر أمينا لها عبر تغريدة شهيرة في إحدى خطاباته الحماسية، رغم أنه لم يخرج من الجامعة العربية التي كانت تغريه قممها بالتهكم ونفخ دخان سجائره في القاعة، بينما الاتحاد المغاربي؛ على غرار مجلس التعاون الخليجي، شكُل ما يمكن تسميته اتحاد الأخوة الأعداء، وجامعة الدول العربية التي تجمع دولا تتناقض نظمها السياسية لدرجة العداء تحولت إلى ذكرى من ذكريات ما بعد الكولونيالية عندما أسسها، إبان الحرب العالمية الثانية، أنتونى إيدن؛ وزير خارجية بريطانيا الساعية الآن للخروج من الاتحاد الأوربي المهدد بنمو التيارات القومية اليمينية التي تسعى لإعادة الحدود إلى قومياتها الصغرى. 

لكن ليبيا تحتاج للخروج من اتحاد الدول المتدخلة في شأنها الداخلي وتستعيد السيطرة على حدودها المفتوحة لكل ما هب وما دب، فرغم أن من تصدروا المشهد هم من قادوا البلد إلى هذا النفق إلا أن ثمة دولاً أخرى تساهم بكل ما أوتيت من قوة لكي لا تخرج منه إلا بشكل آمن لمصالح كل دولة منها، ومصالحها المتضاربة بشكل جذري تجعل من تجميدها للحالة الليبية كما هي وصفتها المناسبة في انتظار ما يستجد على الساحة الدولية من متغيرات قد تخدم كل دولة عينها على الكعكة؛ أو بالأحرى العصيدة الليبية. 

أشار المبعوث الدولي، السيد، غسان سلامة إلى أن 10 دول تتدخل في ليبيا وتعرقل كل مساعي التوافق حتى الآن. وأستطيع أن أخمن تسعة من هذا الدول تدخلها معلن واضح، وصراعها فوق الساحة الليبية مؤثر في كل مبادرة للتقارب بين الأطراف التي تتلقى أوامرها منها، وليبيا تحتاج إلى ليبيكست آمن للخروج من اتحاد هذه الدول التكتيكي، ولم يذكرها السيد غسان، هي: إيطاليا، فرنسا، بريطانيا، دول المثلث التقليدي منذ مشروع بيفين سفورزا الذي تم فيه الاتفاق بين بريطانيا وفرنسا، قبل 70 عاما، على أن توضع أقاليم ليبيا الثلاثة تحت وصاية دولية تتولى بريطانيا الوصاية على برقة وتتولى إيطاليا بموجبها إدارة طرابلس وتتولى فرنسا إدارة فزان. إضافة إلى التحالف التركي القطري السوداني الذي تجمعه عدة محفزات تتعلق بالدعم المشترك لتيار الإسلام السياسي، أو الصراع في سياق حروب الغاز القادمة، أو نكاية بحلف آخر معادٍ لسياستها: مصر والسعودية والإمارات. وهي تحالفات معقدة ومتداخلة بشكل يعقد الأزمة أكثر، لأن ثمة تحالفا خفيا بين السعودية والإمارات وقطر، التي يجمعها خوف من ظاهرة الربيع العربي وما يبشر به من تغيير في المنطقة كلها، فتدخلت مثلها مثل قوى دولية كي تؤثر في مساره بالشكل الذي تريده، وكي تعود هذه الدول في أفضل الأحوال إلى نظم حكم مركزية تجعل نظم دول الخليج أفضل منها رشدا وشكلا، وتلعب ولاءات الأطراف الداخلية دورا في هندسة التحالفات الدولية والإقليمية وفق مصالحها، وتظل مصر الدولة الوحيدة من هذه العشرة الواقعة على الحدود الليبية والأكثر تأثرا بالفوضى في ليبيا التي استمرت لسنوات تصدر لها الإرهابيين والأسلحة، بينما إيطاليا أيضا تعاني مباشرة من تدفق الهجرة غير الشرعية إلى أرضها جراء الفوضى في الساحل الليبي المواجه لها. بينما دولتا الجوار المتأثرتان أيضا بما يحدث في ليبيا، تونس والجزائر، استبعد أن تكونا ضمن العشر دول التي لمح لها سلامة، باعتبار تدخلهما الحذر في ليبيا تحاشى الانحياز المعلن لأي طرف من أطراف الصراع الداخلية، وفي جميع الأحوال فإن المزاج الليبي مزاج مغاربي، وأتمنى أن تسلك الطريق الذي سارت فيه تونس والذي ستسير فيه الجزائر بعد أن تحول الربيع العربي إليها بشكل أكثر عقلانية وحكمة، لأن الشعب الجزائري استفاد من أخطاء الربيع العربي بعد 8 سنوات من مراقبته، والنظام أيضا استفاد من أخطاء نظم الربيع العربي، الذي يبدو أنه سيستمر في الانتشار بشكل أقل أخطاء مثلما حدث في دول أوربية حصدت ثمار الثورة الفرنسية جاهزة بعد أن راقبت تداعياتها وأخطاءها لسنوات.

أما الخلاف بين فرنسا ماكرون المائلة إلى فضائها الأوربي وإيطاليا كونتي/سالفيني القومية، يلقي بظلاله على الملف الليبي مستدعيا صراع نفوذ جهوي سابق، فاليمين الإيطالي يفضل التعامل مع اليمين الإسلاموي الليبي مستعيدا حنين موسيليني إلى ليبيا الشاطيء الرابع لإيطاليا، وفرنسا تتبع حدود الفرانكفونية المارة بالجنوب الليبي، وكلاهما له عقود مهمة فيما يخص النفط والغاز الليبي كطاقة مستقبلية سلسة للتنمية في كثير من دول الضفة الأخرى، والمزاج الليبي عموما، أو لنقل الوعي بالدرس التاريخي، يميل إلى النموذج الفرنسي المرتبط بالقيم الجمهورية التي أسس لها بنسب متفاوتة في دول نفوذها السابق "الفرانكفونية" ومنها (تونس والجزائر)، وليس القيم الفاشية التي تركها اليمين الإيطالي في الصومال وأرتيريا وليبيا حتى الآن. 

الملتقى الجامع من المفترض أن يشكل محاولة ليبيكست فعلية للخروج من تأثير هذه الدول عبر ميله لأن يكون ليبياً مائة بالمائة، وخروجا أيضا من الأزمة إذا ما حدث توافق مدعوم بقوة من مندوبية الأمم المتحدة، وبقوة أكثر من مجلس الأمن المنوط به اتخاذ إجراءات رادعة لمن يحاول عرقلة مخرجات هذا الملتقى وتنفيذها، وفق الباب السابع المشرع، بعد أن مزج سلامة في حديثه الأخير لغته الدبلوماسية الرقيقة بلهجة وعيد منفعلة لمن يحاول أن يعرقل هذا الملتقى، مشيرا إلى كمية الفساد غير المسبوقة من قبل السياسيين الذين يديرون المشهد العبثي في ليبيا، ولا يريدون لهذه الياغمة أن تنتهي، والذين يشكل لهم الاستقرار وعودة المؤسسات نذيرا خطيرا بأن يجدوا أنفسهم خلف القضبان .

الفارق الآخر بين البريكست والليبيكست: أن بريطانيا ممكن أن تخرج من النفق الأوربي دون اتفاق (Hard Brexit) بينما ليبيا لا يمكن لها أن تخرج من نفق الأزمة إلا باتفاق.