Atwasat

نقائض السرير

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 31 مارس 2019, 12:22 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

يقال أن السرير، من حيث هو منصة مهيأة للنوم والراحة، اختراع قام به القرود قبل ظهور الإنسان بملايين السنين!. وكانوا يتوسدون الأخشاب.

وسواء اخترع الإنسان السرير من تلقاء ذاته، أو قلد القرود في ذلك (بدلا من العكس)، فإن بدايات السرير الإنساني لم تكن مختلفة عن تلك التي كانت لدى القرود. فهي، مثلها، منصات مرتفعة عن الأرض تُكَوَّم من مواد مختلفة. أقدم سرير تم اكتشافه يعود إلى حوالي 3600 سنة ق. م، اكتشف في جنوب أفريقيا، يتكون من نبات السُعادي ونباتات أخرى مشابهة، ومغطى بنوع آخر من النبات.

ترتبط الأسرَّة بحياة الإنسان على نحو أعمق وأكثر تنوعا مما يبدو لنا. فنسبة عالية من البشر تولد في السرير، وأيضا تموت فيه. وهو مكان يأوي إليه الإنسان للنوم أو الراحة أو ممارسة الجنس، لكنه مكان يوضع عليه المريض العاجز عن الحركة ويسجى عليه جثمان الميت. والسرير يرتبط بالظلام والغياب عن الوعي (أثناء النوم) أكثر من ارتباطه بالنور واليقظة. إذ يُقدر أن الإنسان يقضي حوالي ثلث عمره في السرير (في الظلام وإغماض العين واللا وعي). ويمكن أن يكون السرير مكانا لنشاطات غير التي ذكرت أعلاه مثل الجلوس القراءة والكتابة والأكل. كما يمكن للسرير أن يكون مرادفا للسلطة، لأن كلمة سرير تعني أيضا عرش الملك، وإجمالا كرسي السلطة.

كما أن مكان السرير يحدد علاقته بـ "المُنْسَرِّ" أو "المَسْرور"عليه. فثمة سرير البيت وسرير الفندق وسرير المستشفى وسرير المصحة العقلية وسرير السجن، إضافة إلى سرير القطار والسفينة.

هناك من تبدأ علاقته بالسرير بداية قسرية سيئة. في قصة لي بعنوان "سرير اللغة، أسرة الواقع" يرد:
" أول علاقة له مع السرير دامت ما يزيد عن شهر وقعت عندما كان في حوالي الثامنة عشر من عمره حين أخذت الدولة لأسباب غير معلنة، وغير مفهومة بالنسبة له (آنذاك ) تلتقط أعدادا من الشباب وتضعهم في ثكنة عسكرية. عندها نام على سرير لم يكن راغبا في أن

تدوم علاقته به". وربما يمثل العثور على سرير لحظة فرح، رغم كونه في مكان معادٍ للفرح ووضع بائس يطل على مستقبل مظلم. في نفس القصة يرد:
"لما وصلوا السجن الآخر، في نهاية رحلة دامت حوالي ثماني عشرة ساعة قضوها بكاملها تقريبا في "صناديق" ضيقة، وأدخل كل واحد منهم إلى غرفة، فرح بوجود السرير المرتب المغطى بملاءة بيضاء نظيفة وعليه بطانية ومخدة موضوع عليها منشف وإلى جانبه كوميدينو متقادم فوقه صحن وكوب قديمان، كلاهما من البلاستيك، وملعقة. تبول وشرب من الصنبور مباشرة، ثم نزع حذاءه وارتمى على السرير بكامل ملابسه ليستغرق في نوم عميق حتى الصباح".

وقد يمثل السرير ابتعادا عن حميمية الأسرة (المفترضة) ولكنه يمثل، من جانب آخر، الاستقلالية والتحرر، حالة انتقال شاب متمرد إلى مكان بعيد عن أسرته للدراسة أو العمل. الكلمة الإنغليزية التي تعني "سرير" وهي Bed تعني أيضا بقعة من الأرض تكون حديقة أو مكانا مزروعا. وهذا يتضمن رمزية السرير في صلته بالعلاقة الحميمة والازدها والخصوبة.

في العربية لكلمة سرير تعالقات أخرى، لكن الكلمتين تلتقيان، في الختام، عند نفس البعد الرمزي. فكلمة سرير العربية أخت شقيقة للسر، الذي من معانيه الجِماع (لأنه يكتم) وذكر الرجل. كما أنها شقيقة أيضا للسريرة (دخيلة الإنسان الحاوية للأسرار) والتسري والسرية (المحظية) والسرور والمسرة، وكلها ترتبط بالبعد الحميم للسرير.