Atwasat

قطار غدامس ومطبّات الطريق

جمعة بوكليب الأحد 31 مارس 2019, 12:17 مساء
جمعة بوكليب

بعد تصريحات المبعوث الأممي السيد غسان سلامة، مؤخراً، صرنا ندرك، أن خط سير قطار المؤتمر الجامع، في طريقه إلى غدامس، لن يسير في خط مستقيم، ومقتصراً على أراض ليبية، كما كنّا نأمل، بل هو قطار مفصّل لتلبية حاجات عديدة، وليوافق مصالح عدة متضاربة. وعليه إن أراد الوصول إلى مقصده، أن ينجح في المناورة، صعوداً وهبوطاً، في منحنيات ومنعطفات عديدة جداً، تمر عبر عواصم عشر دول: عربية، وأفريقية، وإقليمية، وأوروبية.

يبدو أننا، كذلك، نشهد نقلة نوعية جديدة على رقعة الشطرنج الليبية، تجعل وضع السيد سلامة في موقف هجومي أفضل، على أمل أن يصل إلى هدفه في تحقيق وصول قطار المؤتمر الجامع، محمّلا بشحنته من المدعوين، سالماً، إلى تلك الواحة المعروفة في جنوب غرب ليبيا، على مرمى حجر من الحدود الليبية – الجزائرية، وتخوم صحراء النسيان.

المبعوث الأممي، أدرك، بخبرته، أن أولياته، كقائد لقطار غدامس، عليه أن يقوم بتمهيد الطريق، وتنظيفها من العوائق، والمطبات. وهو يعرف حجم تلك العوائق وكثرتها. تبدأ من ميليشيات مسلحة، متخصصة في نهب المال العام، ونشر الرعب والقتل، ولا تنتهي عند مجلس نواب مختطف، أو مجلس رئاسي عاجز، أو مجلس دولة مُغْتَصِبْ. و كلها أجسام منتهية الصلاحية، وفاقدة للشرعية، ولا تعترف ببعضها، وفي تحارب وتنافس مستمر، من أجل الحفاظ على مواقعها، واستمرار نهبها للمال العام. وجميعها، رغم اختلافاتها، أدركت حجم التهديد الذي يمثلة مؤتمر غدامس، وما قد ينجم عنه من نتائج، لذلك تنظر بعيون مستريبة إلى السيد سلامة، وتترقب متحفزة فرصة للانقضاض على مشروعه، وإجهاضه، في ضربات وقائية استباقية، قبل أن يتمكن المؤتمر من الانعقاد والوصول إلى اتفاق بعقد انتخابات عامة برلمانية ورئاسية، تعني فعلياً نهايتها. ولعل ما شاهدناه، مؤخراً، من حملات إعلامية شرسة تستهدف السيد سلامة شخصياً، في مواقع التواصل الاجتماعي، وعلى القنوات التلفزية، والاحتجاجات أمام مقر البعثة في طرابلس، كلها جزء من هجوم متوقع يستهدف مؤتمر غدامس. وما هذه إلا بداية.

وأعتقد أن التصريحات الأخيرة لسعادة المبعوث الأممي، ووصفه للنخب المتدافعة على رأس الهرم السلطوي في ليبيا بالفساد والسرقة والنهب، وسعيها لإفشال أي محاولة تهدف للخروج بالبلاد مما هي فيه بغرض بقائها في مناصبها، واستمرار نهبها للمال العام، واستثمار الأموال في الخارج، بمثابة تحذير منه إلي افرادها، برفع الطبق، وكشف ما في الإناء، وبالأسماء، وهي كثيرة، إن حاولت عرقلة انعقاد المؤتمر.

أضف إلى ذلك، حرص المبعوث الأممي على اقتصار توجيه الدعوات إلى شخصيات من مختلف قطاعات الشعب الليبي، غير متورطة في الفساد والنهب، ولم تتلوث أياديها بدماء الليبيين، واستبعاد الشخصيات والأجسام المتواجدة، مثل مجلس النواب ومجلس الدولة، خشية أن يؤدي حضورها إلى إفساد المؤتمر، باختطاف أجندته، والدخول به في متاهات ومسارب، تبعد به مسافات طويلة عما انتوي له من أهداف.

السيد سلامة، أيضاً، سعى منذ البداية إلى ضمان حصوله على دعم واضح من المجتمع الدولي، لكي يوفر لمشروعه حماية بشرعية دولية، تكون رادعاً لكن من تسول له نفسه تعطيل مسار المؤتمر، تحت أي ظروف، وبأي حجج ومبررات.

أسبوعان، تقريباً، يفصلان المؤتمر عن الانعقاد. ووفقاً لتقارير إعلامية، فإن عدداً من الشخصيات الليبية استلمت فعلياً بطاقات دعوة الحضور، وفي غدامس يجري العمل على قدم وساق من أجل توفير احتياجات المؤتمرين اللوجستية، مما يعني أن قطار السيد سلامة قد بدأ التحرك، قاصداً مالا تريد له النخب المسيطرة الوصول إليه، وتحقيقه.

يقال إن رئيس وزراء بريطانيا الأسبق هارولد ويلسون، زعيم حزب العمال، سئل عن رأيه خلال انتخابات عام 1964 حول تقدم منافسه عليه في استبيانات الرأي العام، فرد قائلاً: "الانتخابات ستجرى بعد أسبوع. وأسبوع وقت طويل في السياسة."!