Atwasat

أهمية القَسَم في التاريخ الإنساني

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 24 مارس 2019, 12:44 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

يبدو أن توخي الصدق والحرص على إجلاء الحقيقة كانا مطلبين إنسانيين منذ أن امتلك الإنسان وعيا متميزا عن الحيوانات، وصار ينظم حياته على أسس خاصة به تقتضيها استلزامات البناء الاجتماعي الجديد المنفصل عن استلزامات "المجتمعات" الحيوانية المرتبطة تماما بالطبيعة.

ومن ضمن سبل هذا التوخي وهذا الحرص المتعلقين بإجلاء الحقيقة، ابتكار القَسَم الذي يُعتقد أنه ابتكار سابق على نشوء الأديان، أو، على الأقل، سابق على تبلورها.

ونحن هنا نفرق بين "القسم" و "اليمين". فالقسم، في تعريف بسيط عام، يمثل تعهدا ذا طابع رسمي، طقوسي أو غير طقوسي، لفظي أو حركي أو رمزي، يتلى، أو يؤدى، على الملأ بالالتزام بفعل شيء ما أو الامتناع عن فعله، وغالبا ما يتعلق الأمر محل القسم بموضوع يتجاوز الشخص مصدر القسم. في حين اليمين يكون ألصق بشأن فردي ويمكن للشخص أن يؤديه بينه وبين نفسه.

وكلاهما ظاهرة إنسانية شاملة وجدت، وتوجد، لدى المجتمعات البشرية قاطبة. فنجد القسم* لدى أبطال هوميروس، وأقسم المصريون بالقطط والبصل، والهنود عن طريق الإمساك بذيل بقرة، أو إناء ماء من نهر الغانغ. وأقسم الجرمانيون واليونانيون والرومان والأوراسيون بسيوفهم وأسلحتهم الأخرى، وهذا يشير إلى أن أصل القسم لم يكن دينيا وإنما كان للفت رمز القوة الخاص بإله الحرب إلى جدارتهم والاعتماد عليهم. أي أن القسم هنا وعد من الإنسان للإله، وليس استدلالا من الإنسان على تأكيد مصداقيته أمام الناس في حضور الإله. لكن القسم ارتبط عموما بالدين.

القسم أمام رموز الآلهة يعود إلى الحضارة السومرية (بين الألفين الرابع والثالث قبل الميلاد). ولدى السومريين أيضا دخل القسم ضمن إجراءات المحاكم التي كانت كالتالي: ترفع القضية من أحد المتقاضيين، وفي حال كون الدولة طرفا ترفع القضية من موظف رسمي مختص. يدلى رافع القضية بأقواله شفاهة أمام المحكمة بعد القسم عادة، وينطبق نفس الأمر على شهادات الشهود. ويمكن أن تقدم أقوال المتقاضين أو الشهود مكتوبة من قبل "خبراء" أو شخصيات مهمة. مما سبق نلاحظ أن القسم انتقل من هدف توخي الصدق والسعي إلى إظهار الحقيقة، إلى إنفاذ العدالة والإنصاف، أي إحقاق الحق.

* اعتمدنا في هذا المقال على مصادر متفرقة، لم نر داعيا إلى ذكرها.