Atwasat

التاريخ السري لـ «ولاية يهوذا» في سيناء!

حمدي الحسيني الجمعة 22 مارس 2019, 07:56 مساء
حمدي الحسيني

في ظل الوضع شديد التعقيد والغموض الذي وصل إليه الصراع العربي - الإسرائيلي، انتهيت لتوي من قراءة كتاب «الطريق إلى دولة اليهود» لمؤلفه الباحث في العلوم السياسية بجامعة إنسبروك النمساوية، د. عادل السيد، الذي رجع بنا إلى مطلع القرن الماضي، والظروف التي واكبت ظهور الحركة الصهيونية، في أوروبا، والجهود التي بذلها القادة الصهاينة بزعامة الصحفي والأديب النمساوي تيودور هرتسل؛ بهدف إنشاء كيان مستقل لليهود، أو ما أسماها هو «دولة اليهود»، عبر استغلال الترهل الذي وصلت إليه الإمبراطورية العثمانية، والتنسيق مع القوى الاستعمارية الكبرى لتحقيق ما أطلقوا عليه «حلم اليهود».

في هذا الكتاب، يتناول د. عادل السيد، تاريخ حياة هرتسل بالتفصيل، والبحث في أوراقه الخاصة ومذكراته وكتبه ومقالاته ولقاءاته ومؤتمراته، وأيضاً مؤامراته ومقامراته مع القادة الأوروبيين والعثمانيين وغيرهم، من زعماء ومسؤولي المنطقة، وذلك من أجل تحقيق هدفه في لملمة شتات يهود أوروبا الشرقية في كيان مستقل أطلق عليه اسم «دولة اليهود».

تأتي أهمية هذا الكتاب، في أنه دراسة علمية فريدة تتناول أفكار مؤسس الأيديولوجية الصهيونية، تيودور هرتسل، وعرض تفصيلي لأفكاره ونظريته وتأثيرها وكيفية تمريرها رغم ما تعرض له من صعوبات خلال فترة النشأة والتأسيس، خاصة أن شخصية هرتسل رغم محوريتها في الصراع العربي – الإسرائيلي، فإنها غير معروفة عربياً بالقدر الكافي.

كيف أجهض موظف بريطاني كان يعمل خبيراً في وزارة الري المصرية مخطط الصهاينة لإقامة ولايتهم الموعودة على أرض سيناء؟

يضم الكتاب بين دفتيه جهداً بحثياً شاملاً استغرق من صاحبه أكثر من خمسة عشر عاماً من العمل المتواصل، صال وجال خلالها بين الوثائق والكتب والأوراق الخاصة التي تركها هرتسل، وخرج لنا بدراسة غاية في الأهمية لكل من يرغب في التعرف على حقيقة «الحلم الصهيوني» منذ أن كان مجرد فكرة تداعب خيال روائي وكاتب صهيوني اسمه تيودور هرتسل حتى تحولت إلى واقع ملموس قلب موازين المنطقة العربية منذ صدور «وعد بلفور»، 1917، حتى اليوم.

ويعتبر الكتاب الصادر عن دار نشر الوادي بالقاهرة، يناير 2019، مرجعاً عربياً متكاملاً، يلخص سيرة اليهود وحيلهم ومؤامراتهم، لإنشاء كيان مستقل يجمع شتاتهم، خاصة يهود روسيا القيصرية، الذي اعتبرهم هرتسل ورفاقه من قادة الصهاينة، مظلمين ومهمشين في مجتمعاتهم!

واستعرض الباحث المواقع التي بحثتها مؤتمرات التجمعات الصهيونية في بازل بسويسرا وغيرها، بدءاً من اقتراح إنشاء دولتهم في شيلي بأميركا الجنوبية التي نقلوا إليها بالفعل عشرة آلاف أسرة من أوروبا الشرقية، ليكونوا نواة لدولتهم اليهودية، ثم اختيار شرق أفريقيا، وبالتحديد في أوغندا، التي اعتبروها مكاناً نموذجياً للدولة، نظراً لموقعها الجغرافي المتميز ومناخها المعتدل، ثم بحثهم اختيار المناطق المحيطة بنهر الفرات في العراق، ولغز اختيار فلسطين كمحطة أخيرة ومناسبة لدولتهم الجديدة، وقبل ذلك وضعوا خطة متكاملة لإنشاء ولاية يهوذا في شبه جزيرة سيناء على الأراضي المصرية، وما رافقها من صعوبات ومخاطر!

«صفقة القرن» المشبوهة تقوم على دمج الكيان الصهيوني بشكل كامل في نسيج المنطقة العربية

مع أن كل صفحات الكتاب تفصح عن مدى الجهد العلمي الذي بذله الباحث ليقدم للمكتبة العربية عملاً علميا ًمتميزاً، حول ملابسات ومفاوضات اختيار فلسطين لتكون مقر دولة اليهود، إلا أن الأهم بالنسبة لي شخصياً ذلك الفصل المتعلق بزيارات هرتسل مصر والجهود، وبل والضغوط، التي مارسها لإقناع حكومة الاحتلال البريطاني، من أجل انتزاع موافقتهم على منحه الأرض المطلوبة في منطقة العريش بشمال سيناء؛ لبناء ما أسمها «ولاية يهوذا» حول بحيرة البردويل في الضفة الشرقية لقناة السويس.

هذا القسم من الكتاب تناول مواقف بعض الشخصيات المصرية أبرزهم الزعيم مصطفى كامل ووزير الخارجية بطرس غالي، ومضمون لقاءاته في القاهرة، وكيف أجهض موظف بريطاني كان يعمل خبيراً في وزارة الري المصرية مخطط الصهاينة لإقامة ولايتهم الموعودة على أرض سيناء وخططهم لتأمين احتياجاتها المائية، من فائض مياه النيل عبر أنابيب تعبر قناة السويس!

أتصور أن الفصل المتعلق بـ«ولاية يهوذا» في سيناء، كما أطلق عليها هرتسل، يحمل تفاصيل تنشر لأول مرة، حول جذور وأطماع اليهود القديمة في الوصول إلى مياه النيل بأي شكل، كما لا أستبعد أن يكون الرئيس الأميركي دونالد ترامب حمل على عاتقه أن يبدأ في تحقيق الجزء الثاني من حلم اليهود في التوسع والوصول إلى مياه النيل، وذلك عبر تبنيه لـ «صفقة القرن» المشبوهة التي تقوم على دمج الكيان الصهيوني بشكل كامل في نسيج المنطقة العربية، بعد أن ظل هذا الكيان لأكثر من سبعة عقود مجرد جسم غريب غير قابل للاندماج في المحيط العربي!