Atwasat

قاتل الروح.. وين تروح؟!

جمعة بوكليب الإثنين 18 مارس 2019, 12:11 مساء
جمعة بوكليب

كانوا أربعة وخامسهم خوفهم. فروا، منذ ثمانية وعشرين عاماً، ناجين بحيواتهم من موت يلاحقهم، متجهين إلى مبنى سفارة إيطاليا في أديس أبابا، العاصمة الإثيوبية، طلباً لحصانة سياسية، بعد أن تمكن الثوار المعارضون من وضع نهاية دامية لنظام سياسي دموي، تحت قيادة مانغستو هيلا ميريام، ولم يخرج منهم أحد حتى يوم الناس هذا!. 

في العام 2006 أصدرت محكمة إثيوبية ضدهم، إضافة إلى رأس النظام مانغستو، حكماً بالإعدام، بتهم ارتكابهم جرائم ضد الإنسانية. مانغستو انسلَّ هارباً من البلاد، وهويعيش منفياً في زيمبابوي منذ العام 1991. 

ترى كيف ستكون ردة فعل السيد جوليان أسانغ، صاحب موقع «ويكيلكيس»، المطلوب للمثول أمام العدالة في السويد، واللاجئ في سفارة دولة الأكوادور في لندن منذ العام 2012 لو صادف وقرأ تقرير جريدة الـ«تايمز» اللندنية بتاريخ 12 مارس الجاري؟ لربما فكر أن مصيراً مشابهاً لمصير الإثيوبيين الأربعة ينتظره ما لم يقرر تسليم نفسه، لكن من المؤكد أن الأرق والرعب سيحرمانه من النوم لعدة ليالٍ قادمة. 

التقرير، الذي أعدته حصرياً، جين فلانقان، مراسلة الجريدة في أفريقيا، يقول إن أحد الرجال الأربعة، كان يشغل منصب رئيس الوزراء بالوكالة، آنذاك، ومات في مقر السفارة منتحراً، بعد أسابيع قليلة من دخوله المبنى. وفي العام 2004، ونتيجة لسوء تفاهم، حدثت مشاجرة بين اثنين من الثلاثة المتبقين، نجم عنها موت من كان نائباً لمانغستو، وأكد تقرير طبي موقع من طبيب السفارة أن الوفاة لم تكن ناجمة عن إصابة المتوفى بزجاجة في رأسه وقت الشجار. 

الاثنان المتبقيان كانا يعملان في الجهاز الأمني السري للنظام، برتب كبيرة ومسؤوليات جسام. أحدهما تجاوز حالياً الثمانين من العمر. والآخر يصغره بعشرة أعوام. كلاهما مازال متمسكاً بخيط رفيع من أمل، بالخروج من المبنى، والعودة إلى بيوتهما وأسرتيهما وأقاربهما. ما نقل من أخبارهما على لسان زميل سابق لهما، كان يزورهما في مبنى السفارة، يؤكد أنهما نفسياً في حالة سيئة جداً، ويشعران وكأنهما منسيان. 

يوضح التقرير أن كليهما كان يأمل في العودة إلى الحياة خارج السفارة حينما تولى، على غير توقع، رئاسة الحكومة أحمد أبيه، وجاءها محمولاً على موجة المصالحة والصفح والتنازل، التي نجم عنها تفريغ السجون من المعارضين، وعودة عديد الإثيوبين المعارضين في الخارج إلى البلاد. إلا أن العفو الحكومي لم يطل الرجلين، لأن رئيس الوزراء الإثيوبي وضع خطاً أحمر، أمام كل من تفادى قضاء العقوبة القضائية ضده في السجن. 

يقال إن الرجلين أعلنا ندمهما على كل الجرائم التي ارتكباها في حق أبناء شعبهما. ويقال، أيضاً، إنهما يجادلان بحقهما في الإفراج عنهما، والعودة إلى أهاليهما، لأنهما بقيا داخل مبنى السفارة – السجن - منذ العام 1991، وبالتالي أنهيا، فعلياً، مدة العقوبة السجنية المقررة. 

التقرير الصحفي توقف عند هذا الحد، للأسف الشديد، مما يسمه بالنقص. وكان يكون أفضل صحفياً، لو أن السيدة فلانقان حاولت الاقتراب من الضفة الأخرى للحكاية المؤلمة، وحاولت معرفة وإبراز آراء أهل وأحبة وأبناء الضحايا، لتنقل لنا وجهات نظرهم في القضية: ماذا سيقولون عن موضوع العفو عن الرجلين، المجرمين بعد مرور ثلاثة عقود؟ وهل هم على استعداد للصفح والغفران عنهما، وتناسي الماضي أم حريصون على تطبيق القانون ضدهما، وتحقيق العدالة لكي تهنأ، أخيراً، تحت الثرى، أرواح من هلكوا؟