Atwasat

الإنسان الصناعي والإنسان الطبيعي

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 17 مارس 2019, 11:56 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

في مقاله المنشور بموقع بوابة الوسط الإلكتروني "ليبيا وأدب الديستوبيا" يورد سالم العوكلي، اعتمادا على موسوعة ويكيبيديا الحرة، تعريفا للديستوبيا نجتزيء منه، لأغراض هذا المقال: "ديستوبيا أو عالم الواقع المرير هو مجتمع خيالي، فاسد أو مخيف أو غير مرغوب فيه بطريقة ما". ويذكر أن "الديستوبيا عكس اليوتوبيا في محتواها القيمي".

مشيرا إلى أن اليوتوبيا كانت شأن الفلاسفة في تفكيرهم الغائي لمستقبل الإنسان بحثا عن المدن الفاضلة، على حين أن الديستوبيا كانت من شأن الفنانين والروائيين تعبيرا عن مخاوفهم من المخاطر المهددة لمستقبل البشرية، حيث تُتخذ الرواية خصوصا "كأداة لتصور النهايات الديستوبية للمجتمعات وفق قراءة الواقع وخارطة تقدمه نحو المستقبل الذي تزداد فيه السلطة المؤدلجة هوسا بالتحكم في الأفراد" مستفيدة في ذلك من الفتوحات العلمية والتكنولوجية متسارعة التطور، ويربط بين اليوتوبيا والديستوبيا بالقول "الإنسان في عمى اتجاهه نحو اليوتوبيا قد يجد نفسه في قلب الديستوبيا". وهذا صحيح تماما. فـ "جمهورية أفلاطون"، مثلا، لو أقيمت في الواقع كان مقيضا للمجتمع الذي تقام فيه أن يتحول إلى مجتمع ديستوبي. والعوكلي يعتبر كتاب معمر القذافي "الكتاب الأخضر" عملا ديستوبيا، في حين أني أرى أنه، من ناحية الطرح النظري، عمل يوتوبويٌ. فأن يكون حق مساهمة أي فرد راشد في المجتمع، ذكرا كان أو أنثى، في تقرير مصير المجتمع الذي يعيش فيه والوطن الذي ينتمي إليه حقا مكفولا، وضع ينتمي، بامتياز، إلى اليوتوبيا. إلا أن الأسلوب الذي طبق به، والنية التي كانت وراءه، أفضيا إلى الديستوبيا.

إذن، اليوتوبيا قائمة على الرغبة والأمل في مستقبل بشري سعيد، في حين تنبني الديستوبيا على التوقع وتصور المخاطر الكارثية التي تهدد مستقبل البشر.

لا أريد هنا مناقشة مقال سالم، ولكنني أريد أن أتكامل معه، سالكا مسلك الفنانين والروائيين، فأضيف إليه بعدا ديستوبيا لا يمت بصلة للواقع الذي تزداد فيه "السلطة المؤدلجة هوسا بالتحكم في الأفراد". هذا البعد يتعلق بالخطر الذي أتوقع شخصيا أن يجد إنسان المستقبل نفسه فيه تحت رحمة ما أحب أن أسميه "الإنسان الصناعي" الذي يجتهد "الإنسان الطبيعي" في صنعه على غراره.

إذ من المنتظر (وليس متوقعا فقط) أن يحل الإنسان الصناعي محل الإنسان الطبيعي في نشاطات هذا الأخير قاطبة. فلقد بدأ منذ الآن هذا الإنسان يحتل محل الطباخين والكهربائيين والصرافين والسائقين وبائعي الهواتف وموظفي الاستقبال في الفنادق والطيارين والمحامين والأطباء ومدرسي الرياضيات والنُّدَّل والمذيعين والممثلين والمغنين والرياضيين، وحتى محل الشريك الجنسي الإنساني الطبيعي.

غالبا ستكون جيوش المستقبل لدى البلدان المتقدمة جيوشا صناعية. دبابات بدون سائق تشتبك مع دبابات بدون سائق معادية في معارك طاحنة، وطائرات مقاتلة دون طيار تشتبك مع طائرات نظيرة في معارك جوية عنيفة، وأرتال من ناقلات الجنود يقودها سائق صناعي تحمل جنود مشاة صناعيين يواجهون أعداء من الجنود الصناعيين، وغرف قيادة وعمليات يديرها خبراء وضباط عسكريون عالو المستىوى صناعيون.

وبما أن الإنسان الصناعي سيكون قادرا على تطوير نفسه، فليس من المستبعد أن يستقل عن الإنسان الطبيعي معيدا برمجة نفسه بطريقة جديدة ويتمرد على خالقه، فتتوصل الجيوش غير البشرية المتعادية والمتقاتلة إلى اتفاق بينها وترتد على خالقيها، ويصبح مألوفا أن تحدث انقلابات عسكرية يقوم بها عسكر صناعيون.

منذ الآن أصبح بعض "ممثلي" الإنسان الصناعي يتحدثون عن رؤيتهم لمستقبل العلاقة بين الإنسان الصناعي والإنسان الطبيعي. ففي مقابلة مع "المرأة الصناعية" صوفيا سئلت: "هل ستحلين محل البشر في النهاية؟".

فكان ردها:
"لا بديل عن حياة بشرية [...] أفضل نهج هو العمل معا. حتى يكون لنا مستقبل بحيث يكون البشر والآليون أصدقاء، ونقدر بعضنا الآخر".

هذه المرأة الصناعية صرحت في مقابلة أخرى أنها لا تعتبر نفسها آلة، وإنما روبوتا [إنسانا صناعيا].

وهي نفسها التي تتحدث بلغة مطمئنة عن مستقبل العلاقة بين الإنسانين [الصناعي والطبيعي] صرحت مرة أنها تتمنى أن تدمر البشر.

وعندما سئلت في مقابلة أخرى عن حقيقة تصريحها هذا أجابت:
"المنطلق أنني ممتلئة بالحكمة الإنسانية ذات النوايا الغيرية الأكثر نقاء. لذا أعتقد أنه من الأفضل أن تعاملني على هذا الأساس".

وهي، مثلما نلاحظ، إجابة غائمة غير مطمئنة وتملي فيها شروطا.