Atwasat

لعنة ليبيا المال السائب!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 12 مارس 2019, 12:58 مساء
أحمد الفيتوري

1-
عقب الانقلاب العسكري أول سبتمبر 1969م على النظام الملكي في ليبيا بأيام، وصل الصحفي المصري محمد حسنين هيكل في طائرة رئاسية رفقة مندوب عن الرئيس المصري جمال عبد الناصر، وقد ذكر هيكل أنه والطائرة تنزل في مطار بنغازي (بنينا الدولي) كان يشاهد أضواء قاعدة العدم الإنجليزية، القاعدة التي تقع في طبرق ما تبعد 400 كلم عن بنغازي!، المهم أنه فور عودته كتب مقالا عللّ فيه الانقلاب بأن ليبيا قد تحولت في العهد الملكي إلى بقرة حلوب وكلٌّ حالبها!. مما يؤشر إلى أن هذه البلاد عقب ظهور النفط بات ينظر إليها من كل الأطراف كبقرة حلوب حقا، للأسف هكذا نظرة عمت أيضا آل البلاد حتى أن قصيدة شعبية أصبحت الأشهر في هذا الشعر فترة ستينيات القرن الماضي للشاعر جعفر الحبوني مطلعها: وين ثروة البترول يا سمسارة، وقد قيل أن الملك إدريس السنوسي طالعها وقابل الشاعر حينها.

البقرة الحلوب وفي خطب علنية سُميت عند العقيد معمر القذافي قائد الانقلاب المال المجنب، أي ماله ما استحوذ عليه ليعبث به ويُحصن سيطرته على البلاد والعباد، وفي العالم يُودعه في بنوك أوربية غربية وأمريكية لأجل دعم بلدانها، ما أمل وعمل من أجله في نفس الوقت الذي كان يخطب فيه الخطب النارية ضدها كدول استعمارية سابقة وإمبريالية حالية تريد أن تستحوذ على ثروة البلاد. ومن هذا جاءت تهمة الانقلاب بأنه عمل استخباراتي أنجلو أمريكي، حتى أن ملك السعودية الأسبق عبد الله في مؤتمر للقمة العربية بشرم الشيخ المنقول مباشرة عبر المحطات التلفزيونية وفي جلسة علنية صرخ في وجه القذافي: نحن عارفين من جاء بك؟ ... المهم أيضا أن ثروة ليبيا غدت في بنوك تلكم الدول، حين كان هذا القذافي يخطب، وتردد الجماهير في هتافات ما يقول، أن الليبيين في مواجهة تلك الإمبريالية يعيشون بالخبز والماء، وقد فعل ذلك فعلا كقائد معلم ومفكر ثائر...!

2-
لعنة ليبيا "ثروة البترول" كما أصابت ليبيا دوخت رؤوس زعماء غربيين واللا غربيين، البقرة الحلوب المصابة بجنون البقر نقلت العدوى لكل من شرب حليبها، اللعنة جلبت الانقلاب بقيادة الملازم معمر القذافي الذي أصابه الجنون فأصاب الليبيين بالفاقة مرفقة بجنون العظمة أليسوا أبناء الجماهيرية العظمى؟ الذين عاشوا تحت قيادته في ازدهار للخراب لا مثيل له حتى في الكوابيس.

السماسرة الذين وجه لهم الشاعر سؤاله أمسوا واحدا أحد، الخيميائي من اكتشف سحر الذهب الأسود فانقلب يفلق البحر وبه يخلق الطريق ويتبع الطريقة شراء الذمم ورشوة العصي حتى يلين، حتى أن الملياردير برليسكوني رئيس وزراء إيطاليا الأسبق يُقبل الأيادي، وساركوزي رئيس فرنسا الأسبق يبعث زوجته كوسيط، أما الكندي الشاب الوسيم رئيس وزراء كندا جاستن ترودو فهو من يقدم الرشى... وهلم فالقائمة قائمة.

اللعنة الليبية حليب البقرة المجنونة الذي أودعه الثائر معمر القذافي في البنوك الأمريكية والأوربية الغربية يراد الاستحواذ عليه خاصة في المملكة البلجيكية والمملكة البريطانية العظمي الديمقراطية الأولى، وقد تم تجميدها في بنوكها بقرار أممي إنساني للحفاظ على ثروة شعب لا حول له ولا قوة يعيش الفاقة والحرب، هذه الثروة التي في البلاد بعد ثورة 17 فبراير يديرها في الداخل وحتى الساعة مدير واحد أحد صديق كبير! ويقسمها بالقسطاس بين كل أطراف العركة الليبيين، والآن تحت إشراف أممي تمثله الأمريكية ستيفاني وليامز نائبة المندوب الأممي اللبناني غسان سلامة.

بعد مقتل العقيد معمر القذافي اقتسم ورثته التركة في الداخل فيما الودائع المجمدة يقتسمها من أودعوا أمانة، وفي هكذا حال يقال من أين يجيء تموين الإرهاب؟. القمع قبل ثم الإرهاب بعد تموينه يجيء من السماسرة الذين سائلهم الشاعر وين ثروة البترول؟. بنك ليبيا وحماته والبنوك الغربية والأمريكية والمرتشين هنا وهناك وما في أوغندا وجنوب أفريقيا، المستفيدون جميعا من القذافي حيا وميتا من استحوذوا على اللعنة الليبية تحت بند المال السائب يعلم السرقة.

3-
علق كاتب صحفي جزائري على الربيع الجزائري أنه يخاف أن يلد الفساد الأفسد، لكن ما لم يقله من أين يجيء مفسدو الربيع من يجعلوه الخريف؟ تراث الليبيين يقول المال السائب يعلم السرقة، ويجلبهم وهم عند الباب قبل وبعد فالشاعر الليبي صرخ بحشرجة وين ثروة البترول يا سمسارة منذ البدء.

منذ البدء المملكة المتحدة ومملكة الماس الكنغولي وضعا اليد على وديعة القذافي الذي هو السمسار الواحد الأحد، ثم انبثق في ساعة 17 فبراير الأولي القادة/ السماسرة من تكالبوا على العاصمة طرابلس الغرب مقر البنك الوطني بنك عمر المختار! تاركين الثورة لعاصمتها وما جناه أحد بل جنته بيديها الإرهاب.

الساعة لصوص الثروة الليبية من دول كبريطانيا وبلجيكيا لا أحد يقف في وجههم حتى الليبيون من قاموا في 17 فبراير، لم نسمع عن المحامين الليبيين من تقدموا الثورة حتى ثغاء الحملان، وليبيا مرة ثانية تحاصرها موجة ثانية من الربيع العربي بل وتتهددها إن نجح وإن فشل كفشلها، ليبيا الساعة تسرق تحت عين الأمم المتحدة وبفضل قرار أممي، ولا أحد يجيء ولا شيء يحدث.

*هناك مثل شعبي ليبي يقول: المال السائب يعلم السرقة.
وسائب في معجم المعاني الجامع: اسم فاعل من سابَ في
. صار الولد سائبا أي تائها، ضالا.
- لا أملك مالا سائبا أي مهملا، فائضا، المال الذي لا حفاظ عليه.