Atwasat

ليبيا وأدب الديستوبيا

سالم العوكلي الثلاثاء 12 مارس 2019, 12:54 مساء
سالم العوكلي

تعريف الديستوبيا حسب ما يرد في: ويكيبيديا، الموسوعة الحرة: "ديستوبيا أو عالم الواقع المرير هو مجتمع خيالي، فاسد أو مخيف أو غير مرغوب فيه بطريقة ما، وقد تعني الديستوبيا مجتمعا غير فاضل تسوده الفوضىٰ، فهو عالم وهمي ليس للخير فيه مكان، يحكمه الشر المطلق، ومن أبرز ملامحه الخراب، والقتل والقمع والفقر والمرض، باختصار هو عالم يتجرد فيه الإنسان من إنسانيته يتحوّل فيه المجتمع إلىٰ مجموعة من المسوخ تناحر بعضها بعضاً. ومعنى الديستوبيا باللغة اليونانية المكان الخبيث وهي عكس المكان الفاضل يوتوبيا.

ولقد ظهرت قصص مثل هذه المجتمعات في العديد من الأعمال الخيالية، خصوصاً في القصص التي تقع في مستقبل تأملي. والديستوبيات تتميز غالباً بالتجرد من الإنسانية، والحكومات الشمولية والكوارث البيئية أو غيرها من الخصائص المرتبطة بانحطاط كارثي في المجتمع".

الديستوبيا عكس اليوتوبيا في محتواها القيمي، والإنسان في عمى اتجاهه نحو اليوتوبيا قد يجد نفسه في قلب الديستوبيا، غير أن كليهما اعتمد كمصطلح من خلال رؤية مستقبلية للاجتماع البشري، والملاحظ أن الفلسفة والفكر كانا أكثر اتجاها صوب تصوير الفراديس الإنسانية التي قد تتحقق مستقبلا وفق رؤية المفكر أو الفيلسوف للمجتمع السعيد، ولعل أشهرها جمهورية أفلاطون، بينما اتخذ السرد عموما والرواية خصوصا كأداة لتصور النهايات الديستوبية للمجتمعات وفق قراءة الواقع وخارطة تقدمه نحول المستقبل الذي تزداد فيها السلطة المؤدلجة هوسا بالتحكم في الأفراد، ما أوجد تسمية الأدب الديستوبي الذي مثلته عدة أعمال روائية أطلق فيها مؤلفوها سراح خيالهم لرسم صور المجتمعات المستقبلية التي تُحكم فيها السلطة باستخدام التقنيات العلمية الحديثة قبضتها على النوع البشري، حيث تتضافر الجوانب السياسية والاقتصادية والبيئية والأيديولوجية والتكنولوجيا لتشكل أرضية لخيال الأدب العلمي المذعور من هذا التحالف الذي يتقاسم السلطات في الواقع ويحتكر من قبل فئات صغيرة نافذة. من جانب آخر تحال تقارير المدافعين عن البيئة ومستقبل الكوكب إلى دائرة التكهنات العلمية الديستوبية التي ترسم من خلال أدلتها الدامغة كابوس الأرض القادم: التلوث والفقر والانهيار الاجتماعي والقمع السياسي وسباق التسلح، جميعها ركائز هذا المصير الديستوبي المتوقع إن لم تتخذ خطى جدية في مواجهته.

تتنوع عناصر الديستوبيا من القضايا السياسية إلى القضايا الاقتصادية أو البيئية. فالمجتمعات الديستوبية قد توجت في سلسلة واسعة من الأنواع الفرعية من الخيال العلمي، وعادة تستخدم هذه القصص والروايات لتسليط الضوء على القضايا الموجودة في العالم الواقعي المتعلقة بالمجتمع والبيئة والسياسية والدين وعلم النفس والقيم الروحية أو التكنولوجيا التي قد تصبح الحاضر في المستقبل. لهذا السبب، اتخذت الديستوبيا شكل العديد من التكهنات، مثل التلوث والفقر والانهيار المجتمعي والقمع السياسي أو الشمولية.

ومن الديستوبيا اشتق مصطلح الأدب الديستوبي والذي تمثل في العديد من الروايات التي تتخيل مستقبل البشرية الكابوسي وفق معطيات الصراع الدائر ومآلاته المحتملة. رواية (1984) التي ألفها جورج أورويل عام 1948، التي صورت بطريقة تنبوئية مجتمعا شموليا يخضع لدكتاتورية فئة، تحكم باسم "الأخ الكبير" الذي يمثل الحزب الحاكم، ويبنى سلطته على القمع والتعذيب وتزوير الوقائع والتاريخ، باسم الدفاع عن الوطن. حزب يحصي على الناس أنفاسهم ويحوّل العلاقات الإنسانية والحب والزواج والعمل والأسرة إلى علاقات مراقبة تجرد الناس من أي تفرد وتخضعهم جميعا لنظام واحد، لا ينطبق على مسؤولي الحزب.

قصة فهرنهايت 451، من تأليف القاص الأمريكي راي برادبري تحكي عن قصة نظام شمولي يقوم بغزو العالم في المستقبل ويجعل التلفزيون دعاية سياسية له ويقوم بحرق الكتب على درجة 451 فهرنهايت، واستلهم برادبري قصته من حملة الإرهاب الثقافي التي شنها جوزيف مكارثي على الكتُاب والمثقفين منصف القرن الماضي.

رواية "مباريات الجوع "للأمريكية سوزان كولنر، وتذهب الرواية الفانتازية إلى لعبة يخترعها الحكم الاستبدادي للقصاء على الرعاع والفقراء، عن طريق ألعاب الجوع التي يتنافس فيها الجياع فيقضون على بعضهم البعض حتى يفوز في النهاية واحد فقط، بينما مراكز النفوذ المختلفة تستمتع بهذه المنافسة وتجمع من ورائها أموالا طائلة، مبينة كيف الحكام المستبدون يسيطرون على الشعوب من خلال وضعها في حالة دائمة من الخوف والفزع. تقول المؤلفة أنها استلهمت هذه الرواية من مشاهدتها لبرنامج ألعاب في قناة تلفزيونية، ومن مشاهدتها للقطات من الغزو الأمريكي للعراق على قناة أخرى، حيث نبعت الفكرة من تداخل المشهدين.

رواية "المانح" للكاتبة الأمريكية لويس لوري، تتخيل فيها مجتمعا مستقبليا يشكل فيه التشابه بين أفراده غاية الحكومة، حيث يُقضى بطرق علمية على البعد العاطفي في شخصية الفرد، تخزن فيه ذاكرة المجتمع برمته لدي شخص يُنصّب في مهمة (متلقي الذاكرة) ليحدث التماثل المجتمعي الذي يفتقر فيه مجتمع الرواية إلى العواطف والألوان والذاكرة أو التنوع المناخي والبيئي، مقصيا أية ميول أو رغبات.

إضافة إلى روايات عربية مثل "الجليل والصعلوك" للكاتب محمد سالم، رواية عطارد للكاتب محمد ربيع، رواية "يوتوبيا" للروائي أحمد خالد، والتي في مجملها ترصد المناخ الديستوبي للحياة في ظل الاستبداد، عبر الذهاب إلى عمق التاريخ أو إلى المستقبل انطلاقا من أزمات الراهن وأوضاعه المنذرة بالخطر، ويمكن وضع رواية عبد الرحمان منيف "شرق المتوسط" في هذه القائمة حيث تتمثل الديستوبيا هنا في سيرة المؤلف وعنف السجون في منطقة لا تحتاج إلى كثير من الخيال أمام آليات القمع فيها التي تتجاوز كل خيال.

الملاحظ في الروايات السابقة أن معظم مؤلفيها من أمريكا التي يسميها الروائي هنري ميلر "الجحيم المكيف"، وهي تنطلق من سلطة تلك القوى الخفية التي تنمو في حضن الرأسماية المتوحشة التي يتحالف فيها المال والتقنية ضد الكينونة الإنسانية وضد البيئة والقيم الروحية.

الرواية التي كتبت بالعربية في هذا الصدد، سواء بشكل مباشر، أو عبر ترميز خيالي، كانت في الغالب ترصد أوضاع المنطقة التاريخية والراهنة التي قد تشكل، بوجه أو آخر، الكوابيس المستقبلية للروايات العالمية، بل إن الاستبداد بخياله القمعي تجاوز في المنطقة الناطقة بالعربية خيال تلك الروايات الشاطحة، كما أن بعض الحكام ساهموا في الكتابة الديستوبية مباشرة ، ولعل كتبا مثل؛ الكتاب الأخضر، أو دولة الحقراء، كتبها العقيد القذافي، تقع في منطقة الديستوبيا التي كتبت بلغة ركيكة شبيهة بتلك اللغة التي اعتمدها جورج أورويل في روايته المستقبلية كمظهر من مظاهر الاستبداد الشمولي الذي تشكل فيه اللغة الركيكة إحدى تقنياته من أجل التحكم والتعمية، ما جعل الروائي والمفكر: أمبرتو إيكو، في صدد حديثه عن المظاهر التي تحدد جوهر الفاشية الأصلية، اعتبار اللغة "الأوريلية" التي تستخدمها هذه الأنظمة إحدى المظاهر. وأصبحت هذه اللغة السطحية؛ التي تعتمدها وسائل النظم الشمولية في التعمية على الناس، تُسمى (الأوريلية).

وفي النهاية ترك القذافي كغيره من منظري الديستوبيا مكانا "من أبرز ملامحه الخراب، والقتل والقمع والفقر والمرض، باختصار هو عالم يتجرد فيه الإنسان من إنسانيته يتحوّل فيه المجتمع إلىٰ مجموعة من المسوخ تناحر بعضها بعضاً".