Atwasat

وارسو: تطبيع مجاني، تغيير مسار ودفن قضية

ميلاد عمر المزوغي الإثنين 11 مارس 2019, 02:03 مساء
ميلاد عمر المزوغي

عندما كانت إيران تقبع تحت عباءة العم سام شأن عربان الخليج، وتقيم علاقات دبلوماسية مع كيان العدو، لم ينعتها أحد بالمجوسية، أو تكفير الصحابة، أهدت بريطانيا الجزر الثلاث لإيران وكأن شيئا لم يحدث ولم يتحدث أحد عن عروبتها بما في ذلك الإمارات، سقط نظام الشاه تغيّر الحكم، أقفلت سفارة الكيان بطهران قطعت العلاقات معه فتحت سفارة لدولة فلسطين المنشودة، تغيّر العرب أو لنقلها صراحة، امتثلوا لأوامر أسيادهم فلولاهم لما استطاعوا البقاء في الحكم لأيام معدودة على رأي ترامب الذي أذلهم في عقر دارهم وأخذ منهم الجزية عن يد وهم صاغرون.

أصبحت إيران عدوهم الأول والأخير، ناصبوها العداء، اعتبروا كيان العدو صديقا حميما، اعترفوا به علانية في قمة بيروت المشئومة، شرط إقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية (الأرض مقابل السلام)، الكيان لم يعرهم أي اهتمام بل مضى قدما في قضم أراضي الضفة وإقامة مستوطنات عليها، الضفة الغربية أصبحت ممزقة الأوصال، دول الطوق التي سارعت إلى الاعتراف والتطبيع معه، استنجدت العدو في أن يأخذ بخاطرها ويعترف بدولة فلسطين على أي جزء من الأراضي المحتله لكنه لم يفعل، مع بزوغ الربيع العربي، حيث أصبحت غالبية الدول تهتم بشؤونها الداخلية، سارع عربان الخليج إلى إقامة علاقات علنية مع العدو، دونما خجل، زيارات متبادلة، يحضنون قادة الاحتلال ويتعانقون ويشربون الأنخاب.

يتحدث العربان عن تحكم الفرس في عواصم أربع دول عربية، ترى من الذي شجع الفرس على ذلك؟. ملوك وسلاطين ومشايخ الخليج هم من شجعوا العراق الذي كنا نعتبره الحارس الأمين لحدودنا الشرقية على مقاتلة إيران الفتية، فكانت حرب السنوات الثمانية التي أثخنت الجانبين عددا وعدة، فأصبح العراق لقمة سائغة للغرب الاستعماري وبمباركة عربان الخليج، قدّم العراق على طبق من ذهب لإيران دون أن تطلق رصاصة واحدة. أما سوريا التي يقصدونها صيفا وشتاء ولهم بها العديد من القصور، فقد تحولت من وجهة نظرهم بين ليلة وضحاها إلى دولة نصيرية (شيعية أو قل خارجة عن الملّة). إنها أوامر أسيادهم، فعمدوا إلى إحضار أراذل البشر من كافة أنحاء العالم ليعيثوا فيها فسادا وعلى مدار 8 سنوات، استنجد نظام الأسد بإيران، فساعدته على مقارعة الأعداء وسوريا على وشك تحرير كامل ترابها، أو ليس حكام الخليج وتصرفاتهم الرعناء غير المسئولة،هي التي جعلت الفرس يتجولون مرفوعي الرأس بكامل تراب البلد.

بخصوص لبنان، ألم يحتل كيان العدو أكثر من نصف مساحته ووصل إلى عاصمته واكتفى العرب بالشجب والإدانة والاستنكار الذي لا يسمن ولا يغني من جوع، فقامت إيران بمساعدة الشيعة الذين يقطنون الجنوب اللبناني من أجل تحرير الأرض وكان لهم ذلك العام 2000م. بعد أن قدموا آلاف الشهداء، وما نتج عن الحرب من أرامل ويتامى ومُقعدين، واستقبل الجنوب المحرر الرئيس أحمدي نجاد وأقام له حفل استقبال يليق بمقامه على مرأى ومسمع من الكيان الصهيوني، أما عن صنعاء أو ليس عربان الخليج هم من طلبوا من عبد الله صالح التنحّي وكان لهم ذلك، فقويت شوكة الحوثيين الذين لم يكونوا يوما على وفاق تام معه، واستولوا على السلطة، نعم أربع عواصم عربية تدين بالولاء لطهران لوقوفها معها، ونكرر بأن عربان الخليج هم السبب، ولكنهم لا يخجلون. كانوا يخافون الهلال الشيعي ولكنهم بفعل حماقاتهم صار الهلال الشيعي بدرا يحاصرهم من كافة الأركان.

ما شهدناه في مؤتمر وارسو من جلوس مسئولين عربا جنبا إلى جنب مع مسئولي العدو يتبادلون معه الحديث، وآخرين يدافعون عنه ويعتبرونه أمرا واقعا لا بد من التعامل معه، يعتبر تطبيعا مجانيا باعتراف قادة الاحتلال، ومحاولة دفن القضية الفلسطينية التي لا يزال الشرفاء من أبنائها يقبعون خلف القضبان وآخرون يبذلون أرواحهم لأجل تحرير الوطن رغم الفقر المدقع أنه تغيير لاتجاه البوصلة بمقدار 180 درجة، وبذلك جعلوا من طهران العدو الأوحد بدلا من الوقوف معها في خندق واحد لأجل مقاومة الاحتلال.

الإيرانيون خلال أربعة عقود استطاعوا بناء قوتهم الاقتصادية والعسكرية رغم الحصار المفروض عليهم أمريكيا منذ سقوط الشاه، ترى ماذا فعل الحكام العرب خلال فترة تقارب قرنا من الزمن ومواردهم الآخذة في الازدياد؟. لقد جلبوا لأنفسهم الذل والمسكنة ولشعوبهم الفقر، بينما ينعم الغرب بخيرات العرب.