Atwasat

يحكى أن..

سالم الكبتي السبت 09 مارس 2019, 06:36 مساء
سالم الكبتي

الحكاية القصيرة
غابت الشمس. لم يظهر القمر. الظلام لف الدنيا بكاملها. نبحت كلاب. عوت ذئاب في التلال البعيدة. طافت بنات الجن الشوارع. البشر والحجر جماد. الظلام وحده كان سيد الموقف. صاروا جميعا في ألفة مع الظلام. الظلام ولاشيء سواه!

الحكاية الطويلة

وصل إلى هناك. كان الوقت في العشية. ذهل لما شاهده. البيت بكامله. اأضحى ركاما. كل البيوت المجاورة أيضا. ركام وهديم على مد العين. شقوق وثنايا. جدران متصدعة. فراغ موحش. لم يتبين أيما شيء. اختلطت الأمور. ضاعت المرئيات. البحر القريب ساكن. ليس ثمة حراك. بكى بكاء مرا. تواصل البكاء والنحيب. ظل يعزي نفسه على ما شاهده. البكاء والحزن هو الحقيقة الوحيدة وماعدا ذلك فهو كذب مطلق. لم يعرف الفلسفة من قبل.
ضاع كل شيء. البيت أكوام وركام. ضاع العمر. ضاعت الأحلام. واصل البكاء ومن بين الشقوق والثنايا لمح ذكريات من والده.. الراديو العتيق والصور القديمة. رحل منذ زمن وبقي الراديو وبقيت الصور. كان الراديو فيما مضى وعبر كل الأوقات يصدح بأغانى شادي الجبل والشعالية وفيروز ونشرات الأخبار وصوت خديجة الجهمي. كانت الصور تعبق بأنفاس الماضي: محل القوبو وبن خيال ومصوراتي العمال والعهد الجديد. الطاولة الطويلة التي تحمل قروش الزهور والمناظر الخلفية للكورنيش وميدان البلدية.
ضاع كل شىيء. بكل قوة ورغم البكاء والحزن استل من تحت الركام الراديو والصور. وفرح بذلك فرحا لايحد.. لكنه واصل البكاء. وعاد الى حيث كان قد نزح.

حكاية ليست قديمة

قالت: عرفته طبيبا يعالج مرضاه. أول من يتواجد في مستشفى المدينة وآخر من يغادر. رغم الظروف الصعبة لم يفرق بين مريض ومريض. ابتسامته تسبقه في كل معاملة مع الآخرين. أصحاء ومرضى. مهنته أن ينقذ الإنسان لا أن يقتله أو يؤذيه. وحين غطى السواد المدينة ذات يوم وجاءها الأغراب من كل مكان لم يحترموا أحدا ولم يأبهوا بأحد.. لا بالبشر أو بالحجر. لا بالإنسان أو الحيوان لا بالتاريخ أو الجغرافيا.
لم يأبهوا إلى إنسانيته ومقدرته وكفاءته وحاجة المدينة الشديدة ومرضاها إليه. كانوا يتمددون ليقتلوا فقط.
ثم قتلوه في بشاعة مع رفاق له. اكتست المدينة بمزيد من السواد والظلام. انطفأ كل شيء. بات كل شيء أسود كالغراب. حتى الأشجار صارت سوداء. قالت فيما حكت.
لم تر القتلة لكنها رغم السواد تنظر إلى تمددهم البائس وتعرف أن الإنسان الجديد قادم وسيتمدد عبر الدروب ويهزم الظلام.

الأشواك التي في الطريق

.. ثم كان موسم التين الهندي!
(علي) يزرع الهندي في صمبر قرب شحات. يتركه في الحقل لينضج ويستوي تماما في سبتمبر.
علي وغيره يملأونه في جرادل أو صفائح مختلفة الأحجام ويعرضونه للبيع في الموسم عبر الطرقات في الجبل.
علي يزرع الهندي ويبيعه. البعض يشتري. البعض لايتحمل وخز الشوك لكن الجميع يتلذذون بأكل التين الهندي في سبتمبر.
علي مواطن بسيط من صمبر قرب شحات يعرف المطر والهندي والتلال وتنفس الصبح وشاي العشية ومواعيد ولادة الحيوانات ويعانق أرضه كل يوم ويكحل عينيه بمنظر الأزهار البرية وأسراب الطيور والأشجار والهندي والجبل. علي مثل غيره من الليبيين البسطاء في شحات. في زاوية المرازيق. في ماسكلو. في ترهونه. في رقدالين. فى اجخره. في مرزق. في واو. في سواني تيكه. في غيرها. يتحمل وخز الأشواك. لكنه في كل الأحوال يظل بعيدا عن أخبار المؤتمرات والسياسة وكلام المحللين والْألاعيب فوق كل الحبال المرنة والخشنة.
أشواك الهندي أطيب وأحلى لأصابعه من وخز الساسة وكل الْألاعيب.