Atwasat

ليبيا الآن وليس غدًا

أحمد الفيتوري الثلاثاء 05 مارس 2019, 01:09 مساء
أحمد الفيتوري

1-
كنت في مدينة درنة وشحات والجبل الأخضر خلال الأسبوع الماضي بعد زيارة مدينتي بنغازي، لاحظت أن من ألتقي به يشتكي من الوحدة وعدم التقاء الأصدقاء وحتى الأهل، استغربت مرددا لما لا تذهب إليهم وأنت بحاجتهم، بادر مرة تلو مرة أنت صاحب حاجة، لم ألقَ جوابا غير الحيرة والارتباك وحتى التوجس والخوف من المجهول.

تقريبا هذا حال ليبيا جملة وتفصيلا، الحرب جعلت ليس ثمة ممكن ولا ثمة مبادرة وبالتالي ليس ثمة حلّ غير الانتظار: في انتظار غودو حيث لا شيء يحدث ولا أحد يجيء!، فسيطرت روح الحرب التي لا تؤد إلا بمقتضى الحال أي الذهاب إلى السلام الذي هو إرادة الشجعان. السلام الاستحقاق ما لن يتحقق إلا بخطوة شجاعة تتنازل لتحصد الاستقرار والأمان، ولتكون ليبيا التي هي وطن مستحق للجميع ويستحقه من يعمل من أجله. قد يبدو هذا ترديدا لجمل رومانسية وحتى ساذجة، لكن الحرب التي تهدر الدماء وتذرف الدموع توكد أن الخروج من قبضتها وتحقيق المراد منها لا ينتهي بالصراع والعراك، بل بالجلوس على الطاولة والحوار مع الإرادة المتفائلة التي تغلب العقل المتشائم.

2-
لم يتوفر لليبيا 17 فبراير لحظة استثنائية كهذه اللحظة التاريخية، فليبيا حين ثارت كان الربيع العربي يدق أبوابها من جانبيها الشرقي (مصر) والغربي(تونس)، وكذا الساعة يدق بكل يد مضرجة في غربها الجنوبي (الجزائر) وجنوبها(السودان).

عليه ليبيا الآن وليس غدا بمكنتها تجاوز أزماتها والخروج من عنق الزجاجة، وفرنسا بل أوروبا تتلبسها الستر الصفراء وأمريكا مشرئبة لفنزويلا إضافة لإيران وكوريا الشمالية، ومن هذا وغيره ليبيا قد تخففت من الأثقال الإقليمية والدولية وهذا ما وفر برزخ الخروج عن قوة الإرادة الخارجية المنقسمة والفاعلة، وأصبح لدى الإرادة الليبية الدور الأول واليد الطليقة ما عقلتها حتى الآن التحالفات الخارجية، ومن هذا لا بد من استعادة روح التاريخ الوطني باقتناص اللحظة الاستثنائية: حيث عند لحظة الاستقلال اعتبر مؤسسو الدولة الليبية أن قوتهم وإرادتهم تحققت بالخلاف وحتى النزاع ما دبَ بين الأطراف الإقليمية والدولية، وعندئذ كسب الخصوم المحليون وطنا حتى وإن خسر أحدهم مكانة أو دورا متخيلا، فمثلا الزعيم الوطني بشير السعداوي كسب الوطن ما ساهم في تأسيسه والتقدير والاحترام فالمكانة والدور التاريخيين، ما خسره بعض ممن تبوأ منصبا هنا أو هناك.

3-
ليبيا الآن وليس غدا، وهي على الطاولة وبمكنة الإرادة المتفائلة بقفزة تاريخية تجاوز الحواجز وكسب السبق، فالحصان الليبي في المضمار وحيد في المقدمة، أقصد أن الدور الليبي قد تحصحص وبات في هذا حال بمكنته الخروج من الحلّ اللا حلّ الأممي. فالدول الكبرى وحتى الصغرى المعنية بالمسألة الليبية غارقة وتحتاج لسيناريو ومخرج يمتلك إرادة تنفيذه للخروج من المسألة الليبية السهلة الصعبة!، وتريد وترغب فيمن يُنهض الليبيين من تقاعسهم واتكالهم على الغير وبث الغيرية في النفوس الليبية الواهنة.

ليبيا الآن وليس غدا بحاجة لمن يستثمر نجاحات الجيش الليبي على الخصوص في الجنوب ولقاء أبو ظبي بين السراج وحفتر وما نتج عنه، ثم هذا الترحيب الذي تحصل عليه الجيش في الجنوب وأيضا لقاء أبوظبي، ودعم واستثمار هذا ليس بالأمر الصعب، فقط أن تعاد الكرة للقاء مماثل في مدينة بليبيا سيكون خطوة رمزية أولا، وثانيا يتأسس عليها صبغ التفاهمات، وثالثا وضع أس الأسس لتنازلات هي في حقيقتها المكاسب الكبرى لأنها ستعيد مستقبل ليبيا من متاهة كل شيء أو لا شيء.

ليبيا الآن وليس غدا بحاجة لشجعان يتخطون حالة التردد والتردي واقتناص اللحظة الاستثنائية هذه حيث توفرت معطيات لم تتوفر جملة كما تتوفر الآن، وفي التأني الندامة لأن اللحظة الاستثنائية الضروري فيها اللقاء ما يسبغ التفاهمات بوضع خارطة طريق لممكن التحقق. وإن كانت الانتخابات من لزوم ما يلزم فإنها سواء حصلت في التو أو آجلا ففي تقديري لن يتجاوز المشاركون فيها 40% من مجمل المسجلين لأسباب موضوعية عدة، وإن كان اللقاء الوطني الشامل ضرورة فعقده سيعني بلورة التفاهمات وخلق مشاركة واسعة في ذلك، وإن بحث في الضامن وراعي تنفيذ التوافقات فإن ذلك سيكون واقعيا الأمم المتحدة.

وهكذا ضرب الحديد ساخنا من لزوم ما يلزم فليبيا الآن وليس غدا، لأن غدا لناظره ليس بقريب في هذه الحالة، حيث الأمم المتحدة حلها اللا حلّ، وحيث جوار ليبيا يضطرم والحال الدولي يتداعى، وحيث أن الليبيين الذين صبروا في الحرب غصبا لن يصبروا من أجل السلام والاستقرار والأمان.