Atwasat

هل سيفعلها الجنرالات؟

فلاني عبدالرحمن الزوي الأربعاء 27 فبراير 2019, 01:28 مساء
فلاني عبدالرحمن الزوي

الجزائر على المحك، بين شبح العشرية السوداء أو حكمة قرار الجنرالات. هل ينتزع جنرالات الجيش الصاعق من القنبلة الانشطارية؟ دخانها يرسم خطوطا سوداء في سماء المدن. شوارع وساحات وجامعات ومساجد الجزائر جميعها بدأت تنادي وتقول كرامة الميت دفنه لا انتخابه. هذه الأنشودة لن تستمر طويلاً بنفس النغمة واللفظ والإيقاع. فهل سيفعلها الجنرالات ويدخلون التاريخ كما دخلوه من قبل ورفاقهم؟ كفاحاً مسلحاً وثورة شعبية استردوا بها الجزائر أرضاً وشعباً من مخالب الاستعمار الاستيطاني الفرنسي الذي دام قرنا وربع القرن تقريباً؟.

الرئيس أبو تفليقة قَدم ستة عقود من العطاء للثورة والدولة وللشعب، الرجل اليوم أنفاس معدودة بالكاد تبلغ الحلقوم، أصبح في وضع لا يُدرك فيه إعادة ترشحه ولا يستطيع الاحتفال بنجاحه الذي يُعد له خارج دائرة وعيه ورغبته، لا يستطيع التعبير حتى بلمحة خاطفة ببصره، الذي أرهقه السهر والعمل منذ أيام الثورة منتصف الخمسينات. اليوم هو في حالة نوم عميق ومستمر، الرجل بلغ من العمر أرذله فهو لم يعد يعلم بعد علمٍ شيء ربما حتى اسمه. يُعدُ من ضمن آخر ما تبقى من ذكريات وأنفاس الثورة الجزائرية، لا أستغرب إذا كان الرئيس أبو تفليقة ربما هو الوحيد الذي نستطيع أن نطلق عليه وصف (ومنهم من ينتظر). لم يتبق في حنجرته إلا عدد من الأنفاس المُنهكة. لا أظن بأنه يجب أن يكون سليمان عصره، فالجن التي خارج أسوار القصر تعمل خوفاً وطمعاً لم تستسلم حتى هذه الساعة، ولم تلق الفؤوس من أيديها، بل أسلمت وجهها لرب سليمان حتى درجة الغلو والتطرف، وأصبحت تعتقد جازمة بأن الجنة وحور العين تكمن في الثأر لمن قتلوا على يد جنرالات التسعينات، وأن لها ثارات ودماء في رقبة الجزائر السلطة والدولة والنظام العسكري الذي يتصدره الجنرالات.

بناء عليه سيكون من النباهة والفطنة وحسن التدبير، بل من الواجب والمسؤولية التاريخية أن لا يتم السماح بأن تسقط الجزائر في بِركة من الدماء ومستنقع الانتقام وعودة التطرف الأعمى والأهوج، ويجب أن لا يسقط الشعب الجزائري الشقيق في نفق الثارات والأحقاد المتطرفة، التي تراكمت عبر ثلاثة عقود من الزمن. لقد كانت تلك المرحلة تمثل مواجهة دموية بين السلطة وأعضاء الحزب الإسلامي والمنتمين أصلاً للجبهة الإسلامية. تلك المواجهات الدامية والمطاردات والتصفيات، والرمي في غياهب السجون في قلب الصحراء، راح ضحيتها وعلى إثرها أكثر من مائتي ألف قتيل عام 1992.

الجزائر ليست منطقة زلالزل فحسب بل إنها سلسلة جبال وبراكين نشطة، تضطرم تحت مئات الآلاف من رفات القبور وأشلاء لقتلى محسوبين على التيار الإسلامي، تلك الجبهة التي تحولت إلى حزب شرعي بإذن من السلطة، أعطي له الحق في أن يمارس نشاطه الحزبي السياسي والمنافسة الانتخابية. لقد دخل إلى صناديق الاقتراع على مستوى البلديات والولايات وبلغت نسبة تفوقه ما بين 60% و 70%، واكتسح ذلك الحزب الذي ولد من رحم الجبهة الإسلامية وحمل إسمها خصومه المتمرسين بكرسي السلطة بفارق صارخ، وقد ظهر ذلك واضحاً في الانتخابات التشريعية التي جرت في 26 ديسمبر 1991 وفاز بها بأغلبية ساحقة وصلت إلى ( 82% أي بـ 188 مقعد من أصل 231 وهو ما جعلها تصل إلى أحد مراكز صنع القرار). جرى ذلك في عهد الرئيس الجزائري الشاذلي بن جديد. حدثت الانتاكسة بسبب ذلك الاكتساح الكبير لعدد المقاعد بالمجلس التشريعي، الأمر الذي دفع بالرئيس الشاذلي بن جديد إلى اتخاذ قرار حل المجلس، ثم تلا ذلك إعلان استقالته، وتولى محمد بوضياف تسيير شؤون الدولة تحت مظلة وحماية الجنرالات. تلك المظلة هي نفسها التي تمسك باليد المرتعشة للرئيس عبدالعزيز أبو تفليقة اليوم، وتملي نيابة عنه وتتكلم بلسانه العاجز مع بقية حواسه، وتتصرف بالتوقيع أو البصم على ما يجري حالياً في أروقة المجلس الرئاسي وقراراته المصيرية.

إن إطلاق العنان أمام فوضى التطرف المشحون بالثأر من السلطة الحاكمة في الجزائر، يحمل أبعاداً ومخاطر كبيرة وكارثية، فلن يكون الأمر مقتصراً على الجزائر فحسب، ولن يكون عدد الجحافل المتطرفة والمجرة إلى دولة مترامية الأطراف والحدود قليلا مقارنة بما حدث في دول أخرى، الجزائر تلك الدولة بموقعها الحالي ومساحة أراضيها واتساع حدودها والدول التي تحدها بالذات والجنسيات المحيطة بها، على درجة عالية من نسبة التشبع بمناخ الفكر الإسلامي المتطرف، والرافض لمفهوم وإطار القومي أو الوطني أو الدولة المدنية الحديثة ودولة المؤسسات، كل هذه الأسباب تجعلها مسرحاً كبيراً ودامياً يشبه حلبة المصارعة أو المبارزة في عهد الإمبراطورية الرومانية، إن هذا المشهد المرعب والمخيف، لا يمكن التحكم فيه أو السيطرة عليه إذا ما انفلت الزمام وغابت الحكمة في تفادي الأمر قبل وقوعه، والجلوس بتأن ويقظة والاعتراف بضرورة وحتمية التغيير السلمي مهما كانت التنازلات الممكنة، والإنصات بواقعية وعقلية منفتحة ومتفتحة وناضجة قبل انهيار الجُرف وانفجار البركان.

إن الأعداد الكبيرة من القوى الشابة الجزائرية، والتي تأدلجت في مناخ إسلامي أممي خارج حدود شعار الوطن القومي، والذي له أبعاد ديموغرافية وأخرى تاريخية، والذي يمسك بفاتورة تصفية حسابات لا زالت عالقة ولم تتم تسويتها مع النظام الحاكم، كل هذه العوامل تستدعي الحكمة والتحلي بالعقل والمسؤولية من الجميع، العبء الأكبر والأهم هو بيد الجنرالات والقيادة الجزائرية اليوم، ولا يجب بأي حال من الأحوال أن تكون نظرتهم هي نفس وذات النظرة في التسعينات، لغة القمع والتصفية الجسدية كما كان الحال عليه بالأمس.

فاليوم غير الأمس، والأطماع اليوم أنوفها وأذرعها أطول وأكثر جُرأة من الأمس، وفرنسا لا زالت تؤمن بأن كلمة الفصل في مصير الجزائر والشعب الجزائري هي بيدها كإرث استعماري وكما يراه ويعتقده ويعمل على أساسه الغرب عموماً. إن هذه الطريقة الفوقية في التعامل بدكتاتورية والعقلية العسكرية المتكلسة في العلاج، ستكون عقيمة وستنتج عنها عظام مهشمة وشرايين نازفة حتى الموت في جسد الشعب الجزائري الشقيق والشريك في المصير، ومسرحا حالك السواد دائم الاشتعال إلا إذا تم تلافي الأمر اليوم قبل الغد، هذا الشبح المخيف لن يكون على الجزائر فحسب، بل حتى على دول الجوار الواسعة والمترامية الأطرف.

نتمنى أن لا تنزلق الجزائر االدولة والشعب الشقيق، إلى هذا المنزلق الخطير والطريق المظلم الذي ليس فيه غير الموت والدماء والأشلاء.