Atwasat

كيف تكسب الأعداء بأقل خطوات ودون معلم؟

أحمد الفيتوري الثلاثاء 19 فبراير 2019, 12:51 مساء
أحمد الفيتوري

1-
كتب كثيرة تم تداولها لما كنت صبيا ترشد المرء إلى أسهل الطرق للحياة مثل: كيف تتعلم الإنجليزية في ثلاثة أيام ودون معلم، كيف تكسب المليون، كيف تكسب الأصدقاء بسرعة ودون تكاليف، وهي كتب في وريقات قليلة لا تكلف مالا وجهدا ووقتا، فقط تحتاج لعقل فارغ وأمريء كسول. لهذا انتشرت هذه الكتيبات بين المراهقين والسفهاء من الرجال والنساء، وهي بدعة أمريكية راجت في العالم حيث الشعوذة أخرجت في صيغة علمية وعلى شكل كتاب، وقد حصد مروجوها من الأمريكيين الملايين طبعا دون أن يتبعوا نصائحهم البضاعة التي يسوقون.

وكما يظهر فإن هذه البضاعة انتشرت في أسواق بلداننا فعلى أساسها تكونت شخصيات معتبرة تجاسرت فتبوأت الصدارة حتى باتت يشار إليها بالبنان. أما كيف تحقق لها ذلكم فإن الاجتماع البشري لا يحدث دائما لأسباب عقلانية محض، بل العكس هو الصحيح حيث الدوافع اللاعقلانية كثيرا ما تبرز في حال القطيع الذي تجره القوى بالأساس ثم ضعف العقل وقلة الحيلة، وفي هذا وبهذه الطريقة يتصدر حامل الوريقات السحرية ما لا تتطلب جهدا ولا تفكرا...

من هذا يبدو أن التاجر المحنك اتجه لمجال النشر والكتب، وبحث عن مؤلفين حذاق أحدهم قدم للبشرية الحل النهائي الموثوق في ثلاثة كتيبات وعدد محدود من الوريقات، وبكذا زعم سيطر على بلاد وقاد ملايين واكتسب شرعية، وجعل بحاثا وكتبة يحبرون الورق حول ما تفتق عنه ذهنه الوقاد... لكن رغم ذلك فإن الناشرين الأمريكيين لم يخطر في بالهم أن كتيباتهم ستفعل المستحيل فتنتج مثل هذا المفكر الثائر والقائد المعلم!

كما لم يتفتق ذهنهم عن كتيب في مسألة هامة في بلاد كبلادنا: أسهل الطرق وأسلس السبل لكسب الأعداء، ولعلهم وجدوا أن هذه مسألة معقدة ومن الصعب الخوض فيها فالحصول على نتائج، وأنها بضاعة غير رائجة وأنه من غير المعقول أن ثمة بشر يختصون ويتخصصون ولهم خاصية خلق الأعداء ما هم محنكون في اختلاقه، وأن بهذه تكون حيثيتهم فهويتهم. ولو أن تجار الكتيبات أولئك استعانوا بهم لجنوا بوفرة ودون تعب كل ما لا يتوقعون.

2-
خلق العدو معادل السيطرة فكأنما الذات لا تكون إلا حين الآخر يكون عدوا، وبالتالي البراعة في جمع الأعداء نوع عال ومبرز من تحقيق الذات، وفي أوساط المجتمع والدولة يبرر ذلكم الحرص بالإزاحة للآخر بالسيطرة عليه. ولهذا فإن السلطة أيما سلطة أي اجتماعية أو طبقية أو سياسية أو بيروقراطية في مجتمعنا عدوانية وثأرية، واستباقية أي تفترض الخسة والخيانة حتى فيمن يقدم الولاء والطاعة، وخاصة تجاه الكفاءة التي تعني الاستقلالية والاستطاعة.

على ذلك كفاءتك في كسب الأعداء تعلة وجودك أما الأصدقاء في هكذا حال أتباع أنت بحاجة إليهم في صورة أقل. ومن هذا الدولة الليبية ومؤسساتها تدار بروح الغرم ما يرتكبه الغريم من هو الآخر، ومن تعلة هذا أن ليس ثمة وجود ولا داعيَ لأن يكون الرجل المناسب في المكان المناسب، وبغياب هذا المبدأ كل مسئول هو مسئول على المحافظة على ذاته وفي مواجهة أي ذات أخرى، فتبني المؤسسة بروح الجزار والمذبح، وذلك سوى كانت المؤسسة خاصة أو عامة وليس ثمة فارق لأن الخاص والعام يتعيش من الدولة وإن اختلفت السبل. وبهذا تبدو المسألة صراع وجود ما يتحقق بالنجاح الذاتي في خلق الأعداء ودحرهم.

3-
الجميع يدرك أن هكذا فعلا معرقل للحياة، حياة الفرد، لكن العطب الرهينة له النفس هو ما يزيد الحياة صعوبة وشقاء، ثم شكوى وعويلا من هذه الحياة العدوانية المصمتة والميتة والتي هي من صنعنا بل من حرصنا عليها وما نوليها كل جهد.

فالروح العدائية تجنح إلى الموت والاحتفاء به، وعروتها الوثقى الفردانية المطلقة ما تقتل روح الجماعة فتصعب الحياة التي يدرك الجميع لا تكون حياة إلا باعتبار أن حمل الجماعة ريش لكن هيهات.