Atwasat

مركز دراسات القانون والمجتمع

سالم العوكلي الثلاثاء 12 فبراير 2019, 01:06 مساء
سالم العوكلي

شاء حظي، أو بالأحرى بحثي عن أي شعاع أمل، أن أحضر أو أسهم بجهد متواضع، في بعض أنشطة مركز دراسات القانون والمجتمع بجامعة بنغازي، حيث في مثل هذه الحالات يظهر جانب آخر لليبيا ينعش الأمل ويجعل الأحلام ممكنة.

سبق أن شاركت في أعمال عديدة، لمركز البحوث والاستشارات بجامعة بنغازي، الذي استطاع في الفترات التي ترأسه فيها كل من د.علي سعيد، ود. فتحي المجبري، أن يتحول إلى خلية نحل، ملتحما بقضايا المجتمع المُلِّحة، ومع محيطه من البحاث المستقلين ومن المثقفين والكتاب، وتمخض عن هذا الزخم إنجاز أهم مشروع تخطيطي في تاريخ ليبيا: مشروع ليبيا 2025 رؤية استشرافية، وهو مشروع علمي حالم أنجزه خبراء ليبيون بتكليف من مجلس التخطيط الوطني الذي كان يرأسه آنذاك (2008) د. محمود جبريل، وحين اطلعت فيما بعد على مذكرات د. علي عتيقة" بين الأمل والإرادة "الذي كان وزيرا للتنمية والتخطيط فترة حكومة عبد الحميد البكوش، وحديثه الموثق عن الخطة الخمسية (1969 ـ 1974)، ومنطلقات الخطط التي تليها، اكتشفت أن مشروع ليبيا 2025 يشكل امتدادا لتلك الخطط التي لو نُفِّذت لجعلت ليبيا في واجهة التجارب المهمة للدول النامية التي جعلت من التنمية البشرية وتنويع مصادر الدخل أولوية لها.

ثمة من يعتبر مثل هذه الأعمال البحثية نوعا من الترف في مجتمع يتعرض لأزمة تصل لدرجة المأساة، لكن الأمر شبيه بتعرض قطار أو طائرة لحادث مأساوي، فيُهرع الجميع لإطفاء الحريق أو نشل الجثث أو إسعاف المصابين، أو حصر الضحايا من أجل التعويضات، غير أن ثمة أشخاصا بمعداتهم التقنية في موقع الحادث لا ينتبه لهم أحد، يستطلعون مسرح الحدث ويأخذون العينات من أجل أن يعرفوا الأسباب والأخطاء التي أدت إلي هذه المأساة، ليخلصوا إلى استنتاجاتهم العلمية، ويقدموها للجهات المسؤولة حتى لا تتكرر مثل هذه المأساة، وبناء على هذه التوصيات تُنقذ ملايين الأرواح ، وتُوفر الخسائر المادية الهائلة، في المستقبل. وهذا ما تقوم به مثل هذه المراكز التي تعمل دون بروباغاندا، وبعيدا عن نحيب المآسي.

وفق هذه الرؤية، واصل مركز بحوث جامعة بنغازي أعماله البحثية والاستطلاعية بمثابرة بعد تغيير فبراير، وأنجز الكثير من الدراسات العلمية والاستقصائية المهمة حول استحقاقات هذا المجتمع في مرحلته الانتقالية، ولأن القانون، والدستور، ودولة القانون، والتشريع، والمظالم، والعدالة الانتقالية، والتسيب في تطبيق القوانين، أصبحت ديدن حديث الليبيين بعد عقود من ارتباك علاقة المجتمع مع المُشرِّع، كان إنشاء مركز لدراسات القانون والمجتمع الذي (أسس بموجب قرار وزير التعليم العالي والبحث العلمي رقم 744/2013 الصادر بتاريخ 07/11/2013) خطوةً مهمة في محاولة الربط بين المدونات القانونية والدستورية وخصائص المجتمع المستهدف من هذه التشريعات،لأن القانون يظل حبرا على ورق إذا لم يتحول إلى ثقافة اجتماعية، وبالتالي فدراسات المجتمع وميوله وثقافته والعوامل المسهمة في تكوين شخصيته، تشكل قاعدة معرفية مهمة للبحث عن الأسباب الكامنة وراء عدم نفاذ هذه القوانين في داخل المجتمع من جهة، ولسن قوانين مناسبة من جهة أخرى، أو كما يرد في ديباجة التأسيس، لكي يكون "مركزا بحثيا متخصصا بإجراء الدراسات القانونية انطلاقا من مقاربات بينية ومتعددة التخصصات، لا تكتفي بدراسة القوانين كنصوص، وإنما تتعدى ذلك إلى دراستها حال حركتها في المجتمع، ومدى نجاحها في تحقيق أهدافها، ويستند في القيام بذلك إلى طرق بحثية كمية وكيفية، ويعد في ضوء ذلك توصيات تقدم إلى صناع السياسات والقوانين في ليبيا.".

انطلاقا من هذه الرؤية العلمية والعملية، باشر المركز أعماله البحثية من مقره بمبنى مركز الإنتاج الإعلامي الذي يشمل مكتبة زُوِدت بعدد كبير من الكتب في مجال اختصاصه، وموسوعات تشريعية: ورقية وإلكترونية، مع سعيه الحالي لافتتاح مكتبة لطلاب الدراسات العليا، ويمكن تلخيص أهم إنجازاته فيما يلي:
1. تنفيذا لمذكرة التفاهم التي وقعتها جامعة بنغازي مع جامعة ليدن الهولندية بتاريخ 15/10/2013، نَظَّم المركز مع مؤسسة فان فولينهوفين للقانون والتنمية والمجتمع، التابعة لكلية القانون بجامعة ليدن، دورة تدريبية مكثفة، خلال الفترة من 24/03/2014 إلى 05/04/2014، على طرق البحث الاجتماعي القانوني.
2. تنفيذا للمذكرة ذاتها، أنجز المركز مع مؤسسة فان فولينهوفين مشروعاً بحثياً مدته عام واحد، (أكتوبر 2014-أكتوبر 2015)، حول تقويم التشريعات الليبية الصادرة بعد ثورة فبراير، وفي إطار هذا المشروع، تم تنظيم ورش عمل ومؤتمرات في ليبيا وتونس وهولندا، وإنجاز أبحاث حول الإعلان الدستوري، قانون العدالة الانتقالية، قانون انتخابات المؤتمر الوطني، مشروع قانون المعنفات والمغتصبات، مشروع قانون الأملاك العقارية، مشروع قانون منظمات المجتمع المدني، التشريعات القضائية. وقد نشرت هذه الأوراق رفق تقرير المشروع .
3. أنجز المركز بالشراكة مع جامعة ليدن مشروعاً بحثياً آخر حول معالجة منازعات الملكية العقارية في ليبيا (ديسمبر 2015-مايو 2017)، ركز على المنازعات التي أثارتها تشريعات سنَّها النظام السابق، ومن أهمها؛ القانون رقم 4 لسنة 1978 بخصوص الملكية العقارية، والقانون رقم 123 لسنة 1970 بخصوص التصرف في الأراضي الزراعية، والآليات القائمة لعلاجها، ومن أهمها لجنة تعويضات القانون رقم 4 والقيادات التقليدية. وقد أجريت دراسات الحالة في بنغازي وطرابلس وسبها والمرج وبني وليد وأوباري، ونتج عن المشروع تقارير بحثية، بالعربية والانجليزية، وأوراق بحثية.
4. أنجز المركز أيضاً دراسة لمشروع الدستور، هدفت إلى تقويمه وفق معايير موضوعية، وتوعية المخاطبين بأحكامه توطئة لاتخاذهم مواقف وجيهة منه، والإسهام في تحديد أية تعديلات يلزم إدخالها عليه في حال رفضه. تشكل الفريق من الأساتذة نجيب الحصادي وزاهي المغيربي وجازية شعيتير وهالة الأطرش وسليمان إبراهيم. وقد نظم المركز لقاءات متعددة بخبراء وطنيين وأجانب لنقاش مسودات أولية للدراسة في بنغازي وطرابلس والبيضاء وطبرق وتونس.
5. يعكف المركز حالياً على إنجاز مشروع بحثي آخر (ديسمبر2017- ديسمبر 2020) بالتعاون مع جامعة ليدن، حول دور القانون في المصالحة الوطنية، ويركز على شواغل خمسة: (الهوية الوطنية، الحكم الوطني، اللامركزية، قوى الأمن والعدالة الانتقالية)، ويجري بحث هذه الشواغل تحت إشراف الدكتور نجيب الحصادي: أستاذ الفلسفة في جامعة بنغازي ـ والدكتور زاهي المغيربي: أستاذ العلوم السياسية في جامعة بنغازي ــ والدكتور الكوني اعبودة: أستاذ القانون في جامعة طرابلس- والدكتور جان ميخائيل أوتو: أستاذ القانون في جامعة ليدن.
6. يعتزم المركز المشاركة في الموجة السابعة للمسح العالمي الشامل للقيم، وستكون المشاركة الثانية لليبيا بعد المشاركة الأولى التي أنجزها مركز البحوث والاستشارات بجامعة بنغازي.
7. يعتزم المركز إقامة ندوة علمية حول: الأمن الغذائي والدوائي، بالتعاون مع مركز البحوث والاستشارات، ومركز الرقابة على الأغذية والأدوية بنغازي، يوم 15 مارس 2019م.
8. يعتزم المركز إقامة مؤتمر علمي حول الشخصية الليبية (الأدبيات والملامح والأبعاد)، خلال شهر مايو 2019م.

بداية العام 2019 تم التأكيد علي إنشاء المركز بقرار رقم 7 الصادر عن مجلس الوزراء بالحكومة الليبية المؤقتة، صحبة إنشاء مراكز بحثية جديدة تابعة لجامعة بنغازي. وكما يقال زيادة الخير خيران، لكن ما أخشاه أن يكون تأسيس 8 مراكز للبحوث، بما فيها مركز لبحوث النانو، نوعا من الترف العلمي في غياب البنى التحتية والتمويل، ما سيشكل عبئا إضافيا على ميزانية جامعة، حتى الآن لا ميزانية لها، ويعرقل خطط هذه المراكز المستقبلية، أخشى أن يكون الأمر سلبيا بما يشبه ــ في إدارتنا المهووسة بالأرقام دون فعل ــ افتتاح عدة مشاريع غير مدروسة بجانب مشروع ناجح فتشوش عليه. أو حين يصدر كتاب مهم فتصدر معه عدة كتب في إطار الحكمة الدارجة "اقتل الكتب بمزيد من الكتب". أتمنى أن لا تكون مخاوفي لها أساس، وأتمنى أن يواصل هذا المركز الرائد في تطلعاته القيام برسالته تجاه المجتمع دون تشويش، وأن يكون الدعم مستقبلا للمراكز المقترحة وفق خطط عمل تقدمها مكتوبة، وبناء على منجز حقيقي، مثلما كان هذا الإجراء متبعا مع مركز دراسات القانون والمجتمع.