Atwasat

عبث إفطار الكونغرس

نورالدين خليفة النمر الأحد 10 فبراير 2019, 12:10 مساء
نورالدين خليفة النمر

يموضع البير كامي في كتابه "أسطورة سيزيف": العبث البشري في الطلاق بين الشخص وحياته، وبين الممثل ومشهده، وصدعه هذا هو بلا علاج. إنه حالة من نفي الذات في كون يتجرّد من الأوهام والضوضاء.

تذكرّت هذا التوصيف وأنا أتابع رئيس مجلس الدولة الليبي يبث من حسابه على تويتر، كلمة تنصلّه من انتمائه لجماعة الأخوان المسلمين، ويعني الجماعة الإسلاموية الموهومة التي تعبث كمنافساتها الإسلامويات والقبائليات والفيدراليات بمستقبل ليبيا التي اصطنعت في 2012 "حزب العدالة والبناء" لغرض دخولها باسمه انتخابات المؤتمر الوطني العام، الذي اتخذ الرئيس المذكور من عضويته فيها وفي الحزب مطيّة لتبوءِ منصبه رئيساً ثانياً لمجلس الدولة. الصيغة التي اصطنعها اتفاق الصخيرات لاستمرار المؤتمر الوطني المنتهية ولايته، في جسم جديد حدّدت له وظيفة استشارية لبرلمان معطل نفسه عن عمله التشريعي في أقصى الشرق الليبي بطبرق وعن أية مهام أخرى ملّحة كإصدار قانونين: بالتصويت على الدستور وبالانتخابات الرئاسية والبرلمانية.

يصف كامي ـ وكأنه يُسقط وصفه على الحالة الفوضوية الليبية ـ العبثيين: بأنهم من ينافس بعضهم بعضاً في بيان أنه ليس هناك شئ واضح، وأن كل شئ هو فوضى، وأن كل ما لدى الشخص العبثي هو وضوحه ومعرفته الأكيدة للأسوار المحيطة به.

"القفزة" عبر بها كامي عن المحاولة الميتافيزيقية لتجاوز أسوار المُحال التعريب الذي اقترحه الباحث الفلسفي ع.غ .مكاوي لكلمة Absurd وهو ماتجلى فيما أعلنه رئيس مجلس الدولة باستقالته وانسحابه من جماعة الإخوان المسلمين؛ واحتفاظه بكل الود والاحترام لكل أعضاء الجماعة، معلّلاً هذه الاستقالة بادعاء انطلاقه من المقتضيات الوطنية الفكرية والسياسية، ومن باب صدعه بالقناعة والوضوح مع المواطن الليبي". رئيس المجلس الوطني واقعياً لايوّجه خطاب استقالته المستحيلة لمواطن ليبي هو في حقيقته لاوجود له بهذا المعنى السياسي، فمجلس الدولة أسسه اتفاق الصخيرات بعد مفاوضات رعتها الأمم المتحدة بين مؤسستين نزاعيتين: المؤتمر الوطني العام والبرلمان، وهما مؤسستان انبتتا عن أية تمثيلية للمواطن الليبي الذي انتخبهما بلاوعيه في انتخابات صورية أسميناها في مقالات سابقة بانتخابات الواجهة، قذفتا به إلى الهامش. وأن هذا المواطن المُهمّش إن وجد أساساً بمواطنيته التي لا ماصدق لها منذ خمسة عقود، فهو لم يلعب أي دور في انتخاب رئيس مجلس الدولة، الذي انتُخب داخل المجلس الذي تهمين عليه جماعة الأخوان المسلمين التي رشحته بديلاً كونه عضواً فيها عن الرئيس السابق الذي لم يكن منضويا رسمياً في عضويتها.

البيركامي يصف التناقض: "بأن يرفض الإنسان الشئ كما هو، دون أن يرضى بالتخلي عنه". وهذا التناقض هو ما أكدّه رئيس مجلس الدولة في كلمته المبثوثة على حسابه على تويتر، باستمراره في العمل السياسي ـ وهو فعليا مستمر فيه بوظيفته الرئاسية والعمل "الحزبي" وهذا مانتوقف عنده متعجبين نيابة عن المواطن الليبي الذي لاوجود له، حتى نأخذ منه توكيلاً فنسأل ما المقصود باستمرار الرئيس المذكور في عمله الحزبي وهل مايعنيه هو "حزب العدالة والبناء" الذي هو نائب لرئيسه المختفي عن المشهد الليبي قرابة العام والموصوف دون أن يبدي الحزب أي اعتراض أنه الذراع السياسية لجماعة الأخوان المسلمين الليبية.

بطُلَ العجبْ عندما عُرف السبب بما أعلنه المكتب الإعلامي للمجلس الأعلى للدولة، أن رئيسه سيزور واشنطن الخميس 7 فبراير 2019، حيث من المقرر أن "يلقي كلمة في الكونغرس الأميركي بعنوان: مستقبل ليبيا“، وأشار، إلى أنّ رئيس المجلس، تلقى دعوة من الكونجرس الأميركي لحضور يوم الإفطار الوطني في التاريخ المذكور، وهو حدث سنوي يحضره رئيس الولايات المتحدة، مستطرداً.. أنّ الضيف الليبي سيلتقي، خلال الزيارة، عددًا من أعضاء الكونجرس، وممثلين عن الحكومة الأميركية، كما سيلقي خطابين في مركز الاهتمام الوطني، والمجلس الأطلنطي الذي ذكرّت كلمة رئيس مجلس الدولة مُضيّفيه الأميركان بمعابثات دكتاتور ليبيا المُسقط في الثورة الشعبية 2011.

فقد طالب رئيس مجلس الدولة، وهو لايعي مايقول خلال لقائه ممثلين عن غرفة التجارة الأميركية، حاضرين في لقاء المجلس الأطلنطي، بعودة الشركات الأميركية للعمل في ليبيا وتفعيل الاستثمارات، معتبرًا أن وجود شريك اقتصادي قوي كالولايات المتحدة يقطع الطريق أمام التدخلات السلبية في الملف الليبي، ويعود بالمنفعة على البلدين. وأشار المكتب الإعلامي لمجلس الدولة أن ممثلي غرفة التجارة الأميركية أكدوا من جهتهم أن ليبيا مكان جيد للاستثمار، إلا أنهم أبدوا تخوفهم من عدم استقرار الوضع الأمني والسياسي فيها. بدوره رد عليهم أن الاستثمار هو من يجلب الاستقرار، وأن تاريخ ليبيا يؤكد حفاظها على التزاماتها.

بالتوازي مع دعوة إفطار الكونغرس،التقى رئيس مجلس الدولة، مسؤول الشؤون المغاربية بوزارة الخارجية الأميركية ، وعبرّ له عن أمله في أن تكون الولايات المتحدة شريكًا استراتيجيًا لليبيا، مؤكدًا أنه لا يطلب دعمها طرفًا دون الآخر، لكن مساعدة ليبيا في الحد من التدخلات الإقليمية السلبية. الطلب الذي تكرّر في كلمته من داخل مقر الكونغرس الأمريكي، بأن قال إن أكبر التحديات أمام ليبيا هي التدخلات الإقليمية السلبية. لا أتصور رئيس مجلس الدولة الليبي يعني قيادات "حزب العدالة والتنمية" الأخواني الحاضن لحزب العدالة والبناء الليبي والمهيمن على تركيا، الذين استشارهم قبل الإقدام على خطوة تنصله المبثوثة على "تويتر" من جماعة الأخوان المسلمين كتوطئة لزيارته الأميركية، ولايقصد الحكومة التركية وتدخلاتها السلبية السافرة في النزاع الليبي ـ الليبي منذ تأججه عام 2014، والأنكى من ذلك ما تورده الأخبار عن إحباط الجهات الجمركية في مينائي: مصراتة شحنة أسلحة قادمة من تركيا تحتوي على مسدسات، إضافة إلى مئات الآلاف من الذخيرة الخاصة بهذه المسدسات المصنعة من قبل شركة zoraki التركية للصناعات الحربية. والخمس حيث أحبطت في الـ18 من ديسمبر الماضي نفاذ حاوية قادمة من تركيا تحتوي على أكثر من 3,120 مسدس و400 بندقية صيد، و2.3 مليون طلقة مُسدس. وبتاريخ 06 فبراير 2019 شحنة المُدرعات العسكرية والسيارات المُصفحة التي مازالت مُحتجزة في الميناء، وفي الـ10 من يناير العام الماضي، أعلنت الحكومة اليونانية ضبط سفينة تركية ترفع علم تنزانيا مُحملة بالأسلحة المُتفجرة كانت في اتجاهها نحو ليبيا.

لا أدري ماالجدّية السياسية التي يحظى بها تقليد يوم الإفطار الوطني في الكونغرس الأميركي. بحتث في محرّك البحث (google) فوجدت خبراً عن حضور 12 فبراير 2018 ممثل جبهة البوليساريو بواشنطن ، الفطور السنوي الذي نظمه الكونغرس وترأسه الرئيس الأمريكي ، وحضره إلى جانب أعضاء مجلسي النواب والشيوخ بالكونغرس أبرز الشخصيات السياسية والدبلوماسية الأمريكية والأجنبية والصحافة الدولية. هذا الخبر يُرجعنا إلى عبثية سيزيف كامي، فيما يتعلّق بـ "مُحالية"القدر السياسي الميؤس منه لجبهة البوليزاريو، ولجماعة الأخوان المسلمين الليبية وممثلها "حزب العدالة والبناء" قدر نفي الذات في كون يتجرّد من الأوهام والضوضاء. إلا ضوضاء مسرح اللامعقول للكاتب الفرنسي يوجين يونسكو في التأثير الذي يخلقه عرضه "وحيد القرن" الذي يكمن حسب تحليل ميلان كونديرا في كونه يضع شخصيات مأخوذة برغبة أن تكون إحداها شبيهة بالأخرى، متبادلة الأدوار في المسرحية. وهو ما يمكننا في مقالنا التماهى مع تأثيره كدعابة عبثية وضاحكة.