Atwasat

العلاقات الاسرائلية التشادية: ما المانع؟

أحمد معيوف الأحد 10 فبراير 2019, 12:05 مساء
أحمد معيوف

في ستينيات القرن الماضي، كانت العديد من الدول الإفريقية قد تحررت أو في طور التحرر من الاستعمار، وبالتالي كان المزاج العام للقارة هو مزاج معادة الاستعمار. لذلك كان واضحا صعوبة أو استمرار العلاقة بين دولة أسرائيل والدول الإفريقية، أو تخيل قيامها.

وازداد هذا المزاج حدة نتيجة الدعم الذي لاقته دول إفريقيا في مقارعتها للاستعمار من قبل الدول العربية التي ساندتها في مطالب التحرر، زد على ذلك الخيبة التي منيت بها من الممارسة العنصرية في العديد من دول القارة خاصة في جنوبها، وموقف الدول الغربية الرسمي من هذه الممارسة.

ورغم تقلص حجم التمثيل السياسي لدولة إسرائيل في القارة الإفريقية حيث وصل فقط إلى خمس دول في العقد الثامن والتاسع من القرن الماضي، إلا إن الأمر لم يطل، فالسلوك المعادي أو غير المتماهي مع السياسات الإسرائلية والغربية سريعا ما تغير عندما تغير موقف الدول العربية من الكيان الصهيوني، وتحديدا بعد مؤتمر مدريد الذي دعا له الرئيس الأمريكي حينها جورج بوش الأول، والذي سمي بمؤتمر السلام عام 1991. وقد مهد المؤتمر، بعد أن استطاع أن يجمع بعض الدول العربية مع إسرائيل على نفس الطاولة، مهد لعودة العلاقات الإسرائلية العربية وأسس لها علنا.

إذا، مؤتمر مدريد، وانهيار المنطومة الشيوعية، كانا من أكبر الداعمين لعودة العلافات الإسرائلية الإفريقية. وتسارع الدول العربية في التقارب مع إسرائيل، ونجاح ناتنياهو- رغم تطرفه بصفته يقف على رأس حكومة يمينية – في تعزيز علاقاته مع الدول العربية، شجع العديد من البلدان ليس فقط في الاعتراف والتبادل الدبلوماسي مع إسرائيل بل أكثر من ذلك الاعتراف بالقدس عاصمة لدولة إسرائيل ونقل سفارتها إليها.

ورغم التصريحات المتوالية في جعل القدس عاصمة لإسرائيل ودعم هذا التوجه دوليا، فقد استقبلت الدول العربية شخصيات إسرائيلية على جانب كبير من الأهمية. ففي أكتوبر من العام المنصرم زارت وزيرة الثقافة في الكيان الصهيوني دولة الإمارات العربية، وتجولت في مسجد الشيخ زايد، كما عزف النشيد الإسرائيلي لأول مرة في أبوظبي في نفس الفترة حين شارك لاعب الجودو الإسرائيلي ساغي موكي في البطولة الدولية المقامة في الإمارات ونال الميدلية الذهبية، وقد حياه نتنياهو وقال له "جلبت لنا فخرا عظيما حيث تم بفضلك عزف نشيدنا الوطني لأول مرة في أبوظبي. جميعنا نفتخر بك كثيرا!".

ورغم أن قطر لا تملك، كغيرها من معظم الدول العربية، علاقات دبلوماسية مع إسرائيل إلا أن علاقتها ابتدأت بعد مؤتمر مدريد، حيث تم أول لقاء قطري إسرائيلي مع رئيس الحكومة الإسرائيلي وقتها شمعون بيريز بعد زيارته لقطر عام 1996 وافتتحاه المكتب التجاري الإسرائيلي في العاصمة القطرية وتوقيعه اتفاقيات بيع الغاز القطري لإسرائيل. ولا ننسَ زيارة ناتنياهو إلى سلطنة عمان وحفاوة استقباله من قبل السلطان قابوس.

الاسترسال في الموضوع يطول، لكن لماذا تلام دولة تشاد على تطبيعها وقيامها بإعادة العلاقات الدبلوماسية مع دولة إسرائيل، أن كان السبق لدول صدعت رؤؤس مواطنيها وأفقرت دولها بحجة الصراع العربي الإسرائيلي. في الحقيقة لا أجد مبررا يمكن أن يبرر تهحم البعض على تشاد في توطين علاقاتها الدبلوماسية مع من ترى فيه إمكانية دعمها ومساعدتها، خاصة وأن أسطوانة العدو الصهيوني قد أنهاها العرب قبل غيرهم من دول العالم.

وإني أجد من السخرية أيضا أن يعلك البعض عبارة "إن كان القذافي حي فلن يحدث هذا الاختراق للفناء الخلفي لدولة ليبيا"، رغم أن هذا التصريح قد صدر عن مدير مركز القدس للشؤون العامة دوري جولد الذي خص به صحيفة “هآرتس” حيث أشار إلى العلاقات الدبلوماسية بين تشاد وإسرائيل القديمة، والتي قطعت في عام 1972، بسبب ضغوطات قوية مارسها الزعيم الليبي الراحل معمر القذافي، واليوم كما يقول دوري جولد، لا يوجد القذافي لذا من الممكن أن تتطور العلاقات”. ذلك أن تقريرا نشر على موقع روسيا اليوم نقل عن موقع "تايمز أوف إسرائيل"، الأربعاء 14 أبريل/نيسان 2016، أن مبعوثا من دولة لم يكشف عنها زار إسرائيل لطلب مساعدة دبلوماسية نيابة عن القذافي. وحسب الموقع فقد أراد القائد الليبي أن تستخدم إسرائيل علاقاتها الدبلوماسية مع الولايات المتحدة وفرنسا لوقف حملة حلف شمال الأطلسي العسكرية التي استهدفت قواته خلال معركتها مع الثوار، بقرار من مجلس الأمن الدولي. وهناك تسريبات مشابهة لعلاقة سيف الإسلام بإسرائيل حتى قبل ثورة 17 فبراير، ولا أتحدث هنا عن علاقاته الغرامية بيهودية فذلك أمر إنساني لا غبار عليه.

الخلاصة: لو لم تسارع الدول العربية في إقامة علاقات علنية وسرية مع العدو الصهيوني الذي لم يعد عدوا، لما تشجعت العديد من دول إفريقيا في إقامة علاقات سياسية مع الكيان الصهيوني. لقد فتح العرب الباب لإسرائيل في إفريقيا، وقريبا سنرى علم إسرئيل يرفرف، ليس فقط في دول إفريقيا، بل في عواصم دولنا، ذلك لأننا شعوب استمرأنا الهزيمة، وقهرت ذواتنا تحت صلف الأنظمة المستبدة.