Atwasat

العلمانية غير قابلة للاستنساخ (3-4)

فلاني عبدالرحمن الزوي الثلاثاء 05 فبراير 2019, 05:57 مساء
فلاني عبدالرحمن الزوي

يقول الفيلسوف الإنجليزي جون لوك في ما كتبه في موضوع العلمانية: «من أجل الوصول إلى دين صحيح، ينبغي على الدولة أن تتسامح مع جميع أشكال الاعتقاد دينيًّا أو فكريًّا أو اجتماعيًّا، ويجب أن تنشغل في الإدارة العملية وحكم المجتمع فقط، لا أن تُنهك نفسها في فرض هذا الاعتقاد ومنع ذلك التصرف. يجب أن تكون الدولة منفصلة عن الكنيسة، وألا يتدخل أي منهما في شؤون الآخر. هكذا يكون العصر هو عصر العقل، ولأول مرة في التاريخ البشري سيكون الناس أحرارًا، وبالتالي قادرين على إدراك الحقيقة» منقول.

ما قاله الفيلسوف الإنجليزي جون لوك أولًا يتحدث عن هيمنة كنيسة تريد أن تنوب عن الله على الأرض وتتحكم في رقاب العباد، هذا الكلام يخص الكنيسة ودورها الذي مارسته، حيث استولت واحتكرت لنفسها تلك الصلاحيات، ولا علاقة له بالإسلام ونظامه وتشريعاته. ما قاله جون لوك لا يلحق أي ضرر بدعوة ومنهج القرآن الذي أنزله الله للناس كافة، لأن طرحه ذلك ومفرداته التي استخدمها ورؤيته كانت موجهة للكنيسة أصلًا دون الإطلاع والإلمام بفلسفة وطرح رسالة الإسلام، وفي المجمل لا أرى أي تعارض في قوله مع نصوص القرآن،. إذا أخذنا في الاعتبار أنه كان يتحدث وينتقد في دور الكنيسة وهيمنتها ويريد منها أن تنأى بنفسها عن السلطة الحاكمة في الدولة وأن لا تكون شريكًا فيها، هذه العلاقة التي كانت سائدة وقائمة بين الكنيسة والملك والدولة، لا يوجد لها نظير أو مماثل في الإسلام أصلًا ولم يترك محمد صلى الله عليه وسلم وريثًا للسلطة الدينية من بعده ولم يخلق لها نموذجًا اصلًا، لكن للأسف عندما أراد رجال الدين من شيوخ وفقهاء مسلمين محاكاة الكنيسة في كل شيء من الهيمنة والتسلط والتحكم في رقاب البشر، كما كانت تفعل الكنيسة، وجدوا أنفسهم أمام مجابهة مثل تلك التي وجدت الكنيسة نفسها أمامها في العصور الوسطى، التي كانت نتيجتها خروج الشعب وتنحيتها عن طريق النهضة والتقدم منذ ذلك التاريخ.

توماس جيفرسون رئيس سابق للولايات المتحدة الأميركية يقول.: «إن الإكراه في مسائل الدين أو السلوك الاجتماعي هو خطيئة واستبداد، وإن الحقيقة تسود إذا ما سمح للناس بالاحتفاظ بآرائهم وحرية تصرفاتهم».

أولًا علينا افتراض أن السلوك الاجتماعي هو سلوك سوي ومحافظ بالفطرة. ثانيًّا. ألم يخاطب الله سبحانه وتعالى رسوله بالقول «إِنْ عَلَيْكَ إِلَّا الْبَلَاغُ» و«لَّسْتَ عَلَيْهِم بِمُصَيْطِرٍ». و«وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا» إذًا لا إكراه في الدين، نعم بعد ما تبين الرشد من الغي.

العلمانية ليست أيديولوجية بقدر ما هي طريقة لتسيير شؤون دولة ما سواء كانت متعددة الأعراق والديانات أو ذات معتقد واحد. والعلمانية لا تعني العداء أو إنكار الدين ولا تعني تعطيل الدين أو محاربته أو الاستخفاف به ولا تعني على الإطلاق تجاوز التشريعات السماوية المناطة بالفرد المسلم وخضوعه لها والقبول بها، لكن هناك حاجة ماسة وملحة لإعادة قراءة تلك النصوص وفهمها كما أراد الله. فقطع يد السارق ربما ليس بالضرورة أن يكون سيفًا أو سكينًا، كما هو الحال في النسوة اللآتي قطُعن أيديهن فربما يكون القطع بمنع وصول اليد وحجبها وإبعادها عن ما قد تقع عليه تلك اليد مرة أخرى وتتمكن من سرقته، فقطع الطريق على المجرمين من تهريب أو تجارة مخدرات هو إقصاؤهم وعدم تمكينهم وليس بحفر خنادق وسط الطريق، وقطع الرحم وقطع دابر الكافر لا سكين ولا سيف اُستُخدم في أي منهما، ولكنه سلوك في الأول يعني عدم التواصل والبر وصلة الرحم. وفي الثانية يعني إرهاق وهلاك الكافر.

دول العالم اليوم تنقسم إلى ثلاث شرائح من حيث نصوص دساتيرها في شأن المعتقد الديني وتعاملها مع المجتمع.

غالبية دول العالم اليوم علمانية دون أن تنص دساتيرها على تلك التسمية.

دول نصت دساتيرها على علمانيتها.

دول نصت دساتيرها على اعتماد دين معين بذاته كدين لتلك الدولة.

العلمانية في الدول الغربية هي التي سمحت وحمت بقوة القانون وسلطان الدولة قيام المسلمين ببناء مساجدهم في بلدان غير مسلمة، التي من داخلها يتلون كتابهم ومن فوق منابرها يرفعون أكفهم بالدعاء بما يريدون أن يتحقق، وكما يحلو لهم. وفي تلك الدول يقوم المسلمون ببناء دور عباداتهم ومدارس تعليم القرآن لأطفالهم وإقامة شعائرهم وأعيادهم الدينية تحت حماية وتمكين وتسهيل حكومات وأجهزة أمن تلك الدول العلمانية التي يعملون فيها لكسب رزقهم ويقيمون بها لاجئين من بطش حكامهم أو يدرسون بجامعاتها كطلاب وباحثين أو ويتداوون بمشافيها.
للأسف إن كل الذين انتقذوا العلمانية وكتبوا عنها قاموا بذلك من فوق منابر خطابة المساجد ومن داخل وهج الضوء الذي عدمهم الرؤية الجلية أو من مقعد الشيخ أو رجل الدين المتطرف الذي يدافع عن كيانه ويتمترس حول منصبه ومركز سلطانه الذي اختلقه لنفسه أسوة بالراهب ورجل الكنيسة.

إلى أن نفهم معنى الإسلام وهدف رسالة محمد صلى الله عليه وسلم سنظل أشبه بدخان خلف طائرة نفاثة العالم على متنها يسافر إلى محطة قادمة ونحن نتلاشى ورائها بعد حين ونتبخر ونغيب عن الأنظار بعد دقائق من الإقلاع.