Atwasat

(صح النوم)

محمد عقيلة العمامي الإثنين 28 يناير 2019, 12:20 مساء
محمد عقيلة العمامي

كنت أعتقد أن مسلسل (صح النوم) الذي اشتهر في مطلع سبعينيات القرن الماضي، من تأليف الكاتب محمد الماغوط، وأن الملزومة التي كان يرددها (حسنى البرضان) بتواصل حلقات المسلسل التي تقول: "إذا أردنا أن نعرف ما يدور في البرازيل علينا أن نعرف ما يدور في إيطاليا" هي أيضا من قفشاته ونقده لأوضاعنا العربية. ولكنني اكتشفت، الآن، أن هذا المسلسل الفكاهي من تأليف الكوميدي البارع الذي قام بدور حسنى مستحملا مقالب (غوار الطوشي)، وهو الممثل (نهاد قلعي)، والمسلسل مثلما يعرف الذين تابعوه أن أحداثه ومقالب غوار لحسني التي تجري في فندق صح النوم، كانت في حارة أطلق عليها اسم (كل من إيدوا إلو). 

المفارقة التي خطرت على بالي أن أسم الحارة يكاد يكون هو الأنسب لتوصيف حالة (حارة) ليبيا الآن، (فكل من إيدو إلو) قريبة من مثلنا المتداول (كل يد تأكل لفمها). أما ملزومة (نهاد قلعي) فتسهل علينا كثيرا معرفة حال بلادنا إن استبدلنا دولة البرازيل بليبيا، وإيطاليا باوربا!.

كاتب اسمه (سكوت سوليفان) تناول حال أوربا بمقالة كتبها بعد حوالي عشر سنوات من حظر تصدير النفط أثناء حرب اكتوبر 73 ثم ارتفاع أسعاره، خصوصا النفط الليبي باعتبار أنه هو ما يهم أوربا من نفط العرب كافة باعتبار أنه خفيف وأيضا قريب منها. فنفط الخليج يُهم آسيا بالدرجة الأولى. 

يقول (سوليفان) أنه تحقق في أوروبا نمو اقتصادي عقب الحرب العالمية الثانية سنة 1943، ولكنه أخذ في التراجع من بعد سنة 1973 بسبب ارتفاع أسعار النفط بشكل كبير، ومما زاد في مأزقها أنها لم تنجح في تحقيق مجموعة اقتصادية متكاملة بسبب نزاعات توصف بعضها بأنها تافهة، ومع ذلك تكررت في السوق الأوروبية المشتركة، انتهت بإخفاق مؤتمر القمة الأوروبية الذي عقد في بروكسل سنة 1984، بل وبلغت ديونها حينئذ 1,2 مليار دولار أمريكي، خصوصا من بعد أن ارتفع مستوى المعيشة عشرة أضعاف؛ وحينها بدأ الأوربيون يفقدون ثقتهم وإيمانهم بمستقبلهم، فلقد أجرت مؤسسة (غالوب) استفتاءا في شهر مارس في السنة نفسها بينت تشاؤما واضحا، فيما يخص أوضاعهم بعد فترة زمنية قدرت بثلاثين عاما. ومن ذلك الوقت تفوقت عليها حليفتها أمريكا،علميا وتجاريا، وتخلت عنها ولم تضعها تحت مظلتها الآخذة في الازدهار، ناهيك عن التطور المذهل الذي حققته اليابان، وجنوب شرق آسيا كافة، والصين التي أكدت أنها عملاق اقتصادي حقيقي يتطور ويتصدر يوميا موازين العالم التجارية. 

ولتلحق أوربا بالركب فإنها تحتاج إلى الطاقة والمواد الأولية فأين تجد هذه العناصر الأساسية لتطور أي نمو اقتصادي؟.

ولقد حاولت أوربا وكثيرون من زعمائها وقادتها معالجة قضاياهم من خلال (الشهامة المبدعة) مثلما أسماها (جنكييز) أحد رؤساء المجموعة الاقتصادية الأوروبية، ونهج الرئيس الفرنسي ميتران النهج نفسه، وأيضا غيره من الرؤساء.

وقام الاتحاد الأوربي، ولكن الاستياء الأوروبي من أمريكا التي مثلما يرون أنها لم تعد تولي أوروبا اهتماما كبيرا وتقلص نموها الاقتصادي منذ ارتفاع أسعار النفط من حوالي 6% إلى الصفر، واشتدت المنافسة بين الأوربيين وحليفتهم أمريكا. وأخذ نصيب الأوربيين من ثروة العالم في التقلص، فالقارة العجوز لن تسيطر ثانية على العالم كما كانت في عهدها الاستعماري. لأن الناحية العسكرية أصبح ما بين روسيا وأمريكا. 

حسنا، من تسبب في ارتفاع النفط من المنظور الأوربي؟ وكيف ينبغي أن يعالج هذا الذي يرونه (ظلما) وهو ما أوصلهم إلى هذه الحالة؟ خصوصا من بعد أن نشر وزير الخارجية الأمريكي (كيسنجر) آراءه من بعد حظر تصدير النفط وارتفاع أسعاره، وتحذيره من استمرار تكدس أموال الدنيا في خزائن أصحاب النفط، وكان لابد من حل لأزمتهم، التي لم يعد ينفع معها لا احتلال عسكري ولا استعمار تحت أي مسمى؟ وهل هناك حل أفضل من ترك أصحاب هذه الأموال يتحاربون فيما بينهم وبأسلحة تنتجها مصانعهم؟ وتحت مسميات وأسباب غامضة تصل في غموضها درجة الألغاز؟ 

وأخذت الأنظمة الريعية التي تتحكم في النفط تتساقط دولة بعد أخرى، وبدأت الحروب في حارات (كل من إيدو إلو)، ويتفق على المهادنة وتبادل الأسرى والجثامين بين أبناء (الحارة) الواحدة المرتبطين بأواصر القربي والدم والمصير المشترك. حروب يفتعلونها بأيديهم ولكنه بإخراج علمي لا ينفذه أصحاب المصلحة الحقيقية فتتساقط هذه الدول وتُنهب مقدراتها، لتُحل أزمات الآخرين!

رحم الله نهاد قلعي الذي أخبرنا منذ أكثر من ثلاثين عاما، أننا إذا أردنا أن نعرف ما يدور في وادي الناموس علينا أن نعرف ما يدور في ( فيا فينتو) و (الشانزليزيه).