Atwasat

دراه الكبد

صالح الحاراتي الإثنين 28 يناير 2019, 12:17 مساء
صالح الحاراتي

"دراه الكبد" باللهجة الليبية تعني حالة الاشمئزاز لدرجة "الغثيان" التي تصيب الإنسان لسبب مرضي أو لأسباب أخرى، ولكن هذه العبارة الليبية تستخدم بكثرة ليس بمعنى الغثيان المصاحب لبعض الحالات كعلامة مبكرة للحمل مثلا، أو الغثيان الذي له أسباب مرضية عضوية مثل اضطراب في الجهاز الهضمي أو خلل في مستوى سكر الدم أو خلل فى ضغط الدم، أوالأنيميا وسوء التغذية، أوالتهاب الأمعاء والإثنى عشر أوالإصابة بالإمساك أوعسر الهضم، وما إلى ذلك.

لماذا يا ترى اختار الليبيون التعبير عن حالة القرف والاشمئزاز من خلال عضو الكبد وليس القلب أو الدماغ وغيرذلك.

لنتعرف على وظائف الكبد وما يقوم به حيث نجده ينظم كل عمليات وظائف الجسم من خلال ملايين القرارات التي يعطيها لكل أجهزته. علاوة على العمليات الكيماوية التي يقوم بها، حيث يقوم باستغلال الطعام وتصنيعه بعد استقباله من الجهاز الهضمي، والتخلص من نفايات وسموم الجسم. كما يقوم بتنظيم كمية السكر بالدم. وما يزيد عن الحاجة يخزنه كنشا حيواني غليكوجين ليحوله لسكر عند الحاجة. والكبد يفتح الشهية؛ لهذا عندما يتليف أو يلتهب نفقد شهيتنا للطعام.. وحتى تعبير "فقع لى مرارتى" له علاقة بالكبد لأنه يقوم بصنع العصارة المرارية ويفرزها في الأمعاء لهضم الدهون بها.. فلك أن تتخيل عمق المعنى فى استخدام لفظ "الكبد" دون غيره من الأعضاء للتعبير عن حالة سلبية تعتري كيان الإنسان .

ومن هنا برأيي أن لفظ "دراه الكبد" تعبيرعبقري عن الغثيان الناتج عن جوانب عقلية ومعنوية ونفسية، فمثلا.. عندما تقابل أحدهم وهو يتحدث بإسهاب عن فوائد بول البعير مثلا أو تحضر ندوة ركيكة بها عدد من الأدعياء أو تشاهد برنامجا تلفزيونيا يتسيد المشهد فيه "محلل سياسي" جاهل كذوب أو خطيب يردد بكل برود حكايات مبتذلة وكلاما مكررا ومواضيع تافهة وما إلى ذلك.. فيتم وصف الكلام بل الشخص نفسه بأنه "دراه كبد"؛ وحتى النكتة وإن كانت طبيعتها أنها مضحكة ومسلية إلا أنها من لسانه تكون بلاطعم ولا نكهة!

ويقترب معنى "دراه الكبد" من القصد بأن كلاما ما أو شخصا ما "مقزز".

ومقزِّز هذه تعنى قزَّز الشَّيءُ: نفرت منه النفسُ وعافته.

لفظ "دراه الكبد" قد يلتصق بشخصيات معينة، أي بعد أن يكون وصفا لأفعال وأقوال يتحول إلى توصيف للشخص نفسه، وهذا الصنف من الناس يصفه البعض بـ "ثقيل الدم"، وهو الشخص البليد الغليظ الذي تنفر منه النفوس وتستثقله الأرواح وتضيق به المجالس وتكره الأسماع سماع حديثه.

والشخص الذى نصفه نحن بـ "دراه الكبد" يقول عنه البعض:

إنه ذلك الشخص الذي لا تملك وأنت تتعامل معه إلا أن تصف حالك عندها بالقول لقد "فقع لي مرارتي" وتشعر عندما تتكلم معه أو تحدثه أو حتى تتواجد معه في مكان واحد؛ يأتيك شعور بأنك تحمل ثقلا كبيرا أو تحاول إزاحة برميل ضخم من مكانه إلى مكان آخر بقدر بالغ من الجهد والمشقة، شخص جاف المشاعر، بارد الملامح، مستفز النظرات، مُحير فى ردوده، يرتفع ضغط الدم لديك، ويتعكر مزاجك فجأة، وقد تصيبك نوبة اكتئاب خفيفة أو مركزة بعد حالة الغثيان التى تنتابك. والشيء بالشيء يذكر، لا ننسى كذلك أن البعض يحبذ تسمية الشخص "دراه الكبد" بـ (اللصقة) لتشابه الأمر مع اللصقة الأمريكية التي تلتصق بالظهر ولا تخرج منه إلا بصعوبة.

مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعى انتقلت حالة "دراه الكبد" من الواقع إلى العالم الافتراضي إلى مواقع التواصل في الشبكة الالكترونية، مواقع الدردشة والمنتديات والفيسبوك والتويتر، فالمواضيع والردود بلا شك تعطي انطباعا عن صاحبها من حيث تصنيفه "دراه كبد" أم غير ذلك!.

يبقى أخيرا أن نقر رغم كل ما ذكرناه بنصيحة من أحد الحكماء تقول؛ وبالرغم من أن الشخص "دراه الكبد" نموذج إنساني يستحق الشفقة أكثر من الاحتقار لأنه قد لا يعرف حقيقة نفسه، فلا تقسُ عليه أخى المواطن، وتحمله بنية أنه قد يكون فى صبرك وتعاملك معه شيء إيجابى بحيث يمثل لك فرصة لزيادة مرونتك وقدرتك على التعامل مع الآخرين.