Atwasat

المُقاتلة والمُخاتلة

نورالدين خليفة النمر الأحد 13 يناير 2019, 10:44 صباحا
نورالدين خليفة النمر

أدرج مكتب النائب العام بالعاصمة طرابلس، في أمرٍ بالقبض اسم القائد السابق للجماعة الليبية المقاتلة، ضمن أسماء قيادات متطرفة تدين لأميريته كرئيس غرفة ثوار ليبيا، وأخرى حرابية كالآمر السابق لحرس المنشآت النفطية فرع الوسطى. والتهمة ورود أسمائهم في التحقيقات المتعلّقة بالهجوم الذي نفذّته مجموعات مسلحة، تتضمن فلولاً من عناصر المعارضة السودانية والتشادية، على الحقول والموانيء النفطية وعلى قاعدة تمنهنت العسكرية، بالإضافة إلى بلاغات أخرى تتعلّق باستغلال عناصر المعارضتين كمرتزقة في القتال الدائر بين بعض القبائل الليبية، وارتكاب جرائم قتل وخطف وحرابة في الجنوب الليبي.

لن يجرؤ مكتب النائب العام على إدراج قيادي المقاتلة السابق ورئيس حزب الوطن الحالي في قائمة اتهام بالإرهاب مالم يأخذ إذناً من قوتين سياسيتين تتحكمان في قرارات طرابلس هما: التركيبة النافذة في مصراتة وحزب العدالة والبناء، الذي يمارس نفوذاً أخوانيا بارزاً في مجلس الدولة. والإشارة الخضراء تأتي من الدولة التركية التي تحاول أن تدفع عنها تهمة خرق قرار مجلس الأمن الدولي 2011 بحظر السلاح عن ليبيا فتسييرها باخرتين مموهتين ببضائع استهلاكية تحملان شحنات أسلحة هي بنادق ومسدسات ورصاص تم حجزهما من قبل السلطات الجمركية الليبية: الأولى في ميناء الخمس والثانية ـ التي لها دلالاتها المنوّه بها آنفاً ـ في ميناء مصراتة على بعد نحو 200 كيلومتر شرق العاصمة طرابلس. وفي الاتجاه الأخر ربما بدأت تركيا تشعر بعبء إقامة قيادي المقاتلة، ومجموعات متطرّفة أخرى في إسطنبول عاصمتها التاريخية. وفي هذا السياق رُوجت أخبار اعتقال رئيس حزب الوطن من قبل السلطات الأمنية التركية. وهو مادفعه، عبر صفحة الحزب على الفيس بوك 31 .5. 2017 إلى اعتبار هذا الخبر شائعة لا أساس لها من الصحة ولا توجد له شخصياً أية إشكالات مع السلطات التركية بسبب إقامته في إسطنبول. وربط الشائعة بإجراء اجتماعات مع الأطراف السياسية والدبلوماسية في إسطنبول في ما يتعلق بالوصول الي حل يجمع الفرقاء من أبناء الوطن، وتأكيد المصالحة بين الليبيين.

القائد السابق للجماعة المقاتلة نفى عن نفسه التُهم المذكورة في أمر القبض عليه، واصفاً الإجراء الصادر عن مكتب النائب العام بالتسييس معتبراً التهم الواردة محاولة لإبعاده عن المشهد السياسي. مُلّمحا لرئاسته لحزب سياسي تحت مسمى حزب الوطن ادعى بيان تأسيسه الجمع بين المرجعية الإسلامية، وتطبيق الشريعة من جهة، والدعوة، حسب ماهو معلن، إلى نظام ديمقراطي (معتدل)! يكفل حقوق جميع المواطنين ويضمن التعددية، من جهة ثانية.

لم يفز حزب الوطن بأي مقعد في الانتخابات التشريعية في 2012 ولا في انتخابات 2014. وهو الحزب الذي لايُعرف أعضاء آخرون له سوى رئيسه كحزبي "القمة"، و "التغيير الليبي"، الذي شاركه أول وآخر ظهور سياسي، في المفاوضات الجانبية التي عقدت تمهيداً لاتفاق الصخيرات والتي صدر عنها في 12/3/2015 "إعلان الجزائر" لجمع الفرقاء الليبيين على الثوابت. وهو منذ أزيد من ثلاثة سنوات يقيم بشكل دائم في العاصمة التركية إسطانبول حيث يدير أعمالاً تجارية من بينها شركة طيران الأجنحة. وبالدخول إلى صفحة حزب الوطن على الفيس بوك، نلاحظ أن آخر بيان له بتاريخ 23/8/2018 بإدانة الفعل الإرهابي الذي تبناه تنظيم الدولة الموهومة داعش، والذي أسقط ضحايا ببوابة أمنية في بلدة الخمس شرق طرابلس.

حتى وإن كانت هشة ومفتعلة ؛ولاقانون لها، كما هو الحال عليه في ليبيا، يُفترض في منطق العملية السياسية أن التذرّع بتأسيس حزب، بغرض الدخول في العملية السياسية عبر الانتخابات مهما كانت شكليتها يكون نقطة قاطعة مع المسار السابق للشخص بالذات، إذا كان منخرطاً في نشاط عنفي توسّل السلاح وسيلة، سواءً كان انخراطاً في الجهاديات الإسلاموية بأفغانستان، أوبالتئامه ببرامج التهيئة في السودان، وانضمامه بفصيله الليبي في حرب تنظيم القاعدة الجهادي ضد النظام العسكري في الجزائر فيما عرف بالعشرية السوداء، أو تسللّه إلى شرق ليبيا والقيام بتأسيس نواة لنشاط تنظيم القاعدة في درنة. تصريحان صحفيان لحزب الوطن بتاريخ 8 أغسطس 2017 ، و 1 أكتوبر 2017 يدينان الحصار الذي يُنفذه مُسمى الجيش الليبي على مجلس شورى مدينة درنة، يؤكدان أن الصلة بالإسلاموية الليبية العنفية فيما يسمى بالجهادية مازالت وثيقة.

عدا شُبهة تشابكات رئيس حزب الوطن العميقة، بالجماعات الإسلاموية المسلحة والجهادية، التي تنضوي حتى اليوم تحت إمارته الجهادية السابقة، تحوم عليه أيضاً شبهات مالية، فمصدر أموال نشاطاته التجارية عليها نقاط استفهام، ولم تخضع إلى مبدأ الشفافية. كما أن مشاركته في مؤتمرات تتعلّق بأنشطة تخص الأموال المتوزّعة في محافظ الاستثمارات الليبية المُبدّدة في مشاريع وهمية في أفريقيا تضعه في دائرة الشُبهة: بسبب مشاركته عناصر أمنية ولجان ثورية من النظام الدكتاتوري السابق ضالعة في تدبير الشبكة المالية الدولية المريبة، ووجوده فيها دون أن يحوز التفويض من أية جهة لها الصفة الرسمية الليبية، ربما يضعه تحت طائل المُساءلة.

لانستطيع الكلام على شئ له علاقة بالسياسي في بيوغرافية رئيس حزب الوطن ولا بصفة الليبي التي ألصقها مُسمّىً لحزبه الذي فصلّه على مقاسه، وهو مايسري على رؤساء كل ماسميت بالمكوّنات السياسية، وانتفت عنها صفة الأحزاب لعدم صدور قانون بتأسيسها، أو لوائح حتى اليوم تنظّمها. كما أن هذه الأحزاب لم تسعَ ولو بخطوة واحدة للأمام في بلورة نفسها في هيكلية سياسية، بل كانت طوال الثماني سنوات اسماً وهمياً يخفي وراءه رئيسها المتوّحد فيها؛ أو أن تكون وكيلاً عن تنظيم دولي كجماعة الأخوان المسلمين أو تابعاً إلى نزعة سلفية تغذيها أموال النفط ،مرّتدة إلى ماضٍ وهمي وليس لها علاقة بالواقع الآني الذي هو في رؤيتها بدعة وانحراف عن أساس متوهّم في ضمائرها يُعبرّ عنه بالعنف والإرهاب، فتُقتل السياسة في معناها. فيما أورده الحديث النبوي أنّه: من أَشراط الساعة (...) أَن تُخْتَلَ الدنيا بالدين أَي تطلب الدنيا بعمل الآخرة.