Atwasat

اتيكيت!

صالح الحاراتي الإثنين 07 يناير 2019, 12:38 مساء
صالح الحاراتي

كثيرا ما يدور فى عقلى سؤال مفاده: لماذا تغيب المجاملة والتأدب مع الغير في تعاملنا اليومى.. هل هو الخوف من الوقوع فى جب النفاق الذى يتجلى فى المفردة العامية "الزمزكة".. أو أن الأمر يتعلق بالمبالغة في اعتقاد يجعل البعض يظن أنه يتبنى الصراحة والصدق والجرأة والشجاعة ولسان حاله يقول: "انا نقول للأعور اعور في عينه".

وذلك لكى يبعد عن نفسه صفة النفاق والتملق، بينما هو فى حقيقة الأمر يمثل الفظاظة والغلظة خير تعبير، وكان له أن يعبر عن رأيه بشكل لطيف وبرفق ولا علاقة للامر بالنفاق.

الخوف من النفاق قد يدفعنا إلى عدم الانصاف والإشادة بالإنسان الذي يستحق التكريم حتى لا يتم تفسير المسألة على أنها نفاق.. ولذلك السبب وعندما يموت ذلك الإنسان تنتفي المصلحة ويتلاشى الخوف من أن نتهم بالنفاق فنقول فيه أطيب الكلام وعظيم الشكر والامتنان

وأكاد أجزم أن الأمر يتعلق بالخلط بين المجاملة والتلطف من ناحية والنفاق من ناحية أخرى.

في تعاملاتنا الحياتية وعلاقاتنا الاجتماعية خليط من السلوكيات المتنوعة، منها إبداء المجاملات التي يعتبرها البعض وسيلة في كسب الآخر إلى صفه من خلال إبداء كلمات جميلة مُغلفة بشرائط مُنمقة وجذابة، بينمـا يرى البعض الآخر أن المجامل يرتدي لباس النـفاق والكذب، لأنه يستخدم معسول الكلام لتحقيق مآرب شخصية والوصول لأهداف معينة.

نحن نتناسى أن المجاملة في حد ذاتها تعتبر فنا وثقافة يجب الإلمام بهـا مثل "بروتوكلات الاتيكيت"وهو أناقة التعامل وأسلوب التعامل مع الآخرين الذي يتحدث عنه الكثيرون لكنهم لا يعلمون تفاصيل قواعده التى تحكم التعاملات الإنسانية بين الأشخاص لتخرج فى شكل لائق. والمثال الأقرب هو "اتيكييت الحديث والاستماع" الذي نعاني قصورا شديدا فيه حيث يسود الهرج والمرج والصراخ وتداخل الأصوات في لقاءاتنا وحواراتنا. مما يربك أي محاولة لحوار إيجابي.

هناك "الاتيكيت" في العمل، وفي الطعام والشراب، وفي العلاقات الاجتماعية والتعامل مع الجنس الآخر، والتعامل مع الأطفال ومع الجيران والأصدقاء وزملاء العمل، إلخ.

ورغم أهمية ذلك لا زال هناك من يتمسك بقوله على أن سلوك المجاملة ضرب من النفاق، بينما يغفل أن هناك في المقابل من يرى أن الصراحة المفرطة ما هى إلا ضرب من عدم اللباقة، وفظاظة وغلظة فى التعامل لن تأتي بخير أبدا

والحقيقة في ظني أن المجاملة والصراحة ميزتان أخلاقيتان على صعيد التوجه الإنساني، لكنَّ لكل منهما حدوداً يجب مراعاتها، ففي حال المجاملة والمصارحة لا بد من احترام الذات واحترام حرية الآخرين، فالمجاملة لا تبرر أن نمارسها على حساب الأخلاق والحقائق، والمصارحة تتطلب الجرأة في مصارحة الآخرين بعيوبهم وتصرفاتهم غير الحسنة على نحو لا يجرح المشاعر. وبعبارة أخرى المجاملة لاستمالة القلوب بحدود معقولة بعيدة عن المبالغة لأن الشيء لو زاد عن حده انقلب إلى ضده، وأيضاً ليست مناسبة لكل وقت، وتعد من قبيل التشجيع والتحفيز للأشخاص، بينما تفهم الصراحة بأنها قول الحقيقة كما هي ورؤية الأمور على طبيعتها بعيداً عن المبالغة والتزييف

المجاملة قد تستدعى الاعتذار عن الخطأ وهى خصلة غائبة أيضا وإن وجدت وجب الانتباه إلى المضمون، فقد يكون الاعتذار مغلفا بإلقاء التبعة على الغير وهو أسلوب فاشل لن يؤدي إلى مبتغاه.