Atwasat

استقراء المتكرر في الإرهاب

نورالدين خليفة النمر الأحد 06 يناير 2019, 05:24 مساء
نورالدين خليفة النمر

طالت الضربة الإرهابية الخاتمة لعام 2018، المبنى الرئيسي لوزارة الخارجية في العاصمة طرابلس. وهي تندرج كضربتي مفوضية الانتخابات، والمؤسسة الوطنية للنفط في القدرية الليبية المكرورة التي لازِمتُها "الله غالب". ودون استقراء المتكرّرات عينها في الإرهابات الثلاث، توقفت إجراءات رّدات الأفعال الأمنية في التوجه مباشرة إلى المتكرر الأوّل، العامل البرّاني، المتمثل في المنفّذين: وهم المقيمون الأفارقة من ذوي البشرة السوداء!، دون غيرهم، والذين يسميهم تنظيم الدولة الموهومة داعش بالانغماسيين في عملية سهلة ودون معّوقات أمنية تحول بينهم وبين هدفهم الإرهابي ليقتلوا ثم يموتون بحزام ناسف في جريمة مدفوعة الأجر.

كما أن الضربات الثلاث طالت مباشرة مؤسسات تقوم بوظائف جوهرية بالمتبقي من الدولة الليبية . و للاستمرار أعلنت عن استكمال الأعمال والاستحقاقات المنوطة بها، وتنفيذ التزماتها مع المجتمع الدولي ومؤسساته كالأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي. فمفوضية الانتخابات أنجزت إتمام منظومة تسجيل المواطنين في القوائم الانتخابية، التي كانت فيها نسب نيّة المشاركة الانتخابية لافتة، ومؤسسة النفط أبرمت عقود توريد جديدة للعودة للمعدل السابق لتصدير النفط، والهجوم أفقدها مستندات مهمة قيمتها ملايين الدولارات، ووزارة الخارجية بالعاصمة طرابلس أعلنت الانتهاء من المرحلة اﻷولى للأرشفة الإلكترونية للمعاهدات والاتفاقات الثنائية المبرمة بين ليبيا ودول العالم.

لم نرَ نتائج وقتية ومباشرة تحققت للضربات الإرهابية الثلاث. فالعملية الإرهابية التي طالت مفوضية الانتخابات، لم تعق الانتخابات، التي عطلتها مؤسسات معلنة ومشروعة بالانتخابات، بهدف إعاقة العملية السياسية التي ستخرج الملتبسين بها من المشهد التسلطي أو التحكمي الذي تقوده الجماعات المغمورة التي جلبتها عشوائيات الانتخابات السابقة. أما الإرهاب الذي طال مؤسسة النفط، فلم يعق تصدير النفظ، والزيادة فيه، وإن كانت هناك عراقيل، فمتمثلة في الأعمال الحرابية، أوالابتزازات القبائلية، أو المطالبات بالتعيين في وظائف وهمية أو زيادة أجور لأناس لايعملون، وغير مؤهلين للعمل. أما الحادث الإرهابي، الذي طال وزارة الخارجية فكل المعطيات تؤكد أن من وراءه تركيا والغرض منه تمرير رسالة إعاقة بغرض الابتزاز، الذي يعيد موضعة نفسه عبر التطرفات المتأسلمة التي تم استبعادها من خطة باليرمو لإعادة موضعتها في التسوية بين الطرفين المتقاسمين أزمة ليبيا وحلّها. أما السبب المباشر فهو التشويش التركي على المطلب بوضع تركيا تحت طائل المساءلة الأممية لخرقها قرار مجلس الأمن منذ تسعة أعوام الذي يحظر إدخال أسلحة إلى ليبيا، والذي خرقته شحنة السلاح التي وصلت بحراً من تركيا إلى ليبيا، وتم ضبطها بالصدفة في ميناء الخُمس الليبي.

إن سهولة استقراء المتكرّر في الفعل الإرهابي، تقابله الآليات المكرورة لرّد فعل مايمكن تسميته بالمؤسسة الأمنية، في الضربتين اللتين طالتا مفوضية الانتخابات والمؤسسة الوطنية للنفط. لانستطيع أن نتكلم عن مؤسسة أمنية تمثلها وزارة الداخلية، فالأمر كان موكولاً برمته للميليشيات، ولكن بعد صراعها المميت فيما بينها، وإضعافها لنفسها، وفرضية تقييدها بالترتيبات الأمنية المعلن عنها من قبل البعثة الأممية في ليبيا، كل هذا قدّم دفعة إلى وزارة الداخلية، والحرس الرئاسي أن يتصدّرا الواجهة.

ولكن بيان وزير الداخلية المفوّض الذي اتسم بالصراحة والمسؤولية، كشف على أن الترتيبات الأمنية، تحول دون تطبيقها عوائق عملياتية وفنية، وأن فساداً مالياً تغوّل في الوزارة، وأن الملايين التي أنفقت عليها السنوات الماضية، بددها الفساد. وفي هذا الإطار عقد وزير الداخلية المفوض، اجتماعًا في طرابلس مع نائبة الممثل الخاص للأمين العام في ليبيا للشؤون السياسية وناقشا معاً دعم المجتمع الدولي لتنفيذ الترتيبات الأمنية في طرابلس الكبرى، والرؤية الجديدة لوزارة الداخلية لأمن العاصمة.

سيظل هذا الإرهاب البدائي علامة هشاشة تلتبس الطرف الليبي الذي يقف وراءه، مستغلاً لاجئين أفارقة دفعهم البؤس إلى ركوب المخاطر، بل الانتحار من أجل أموال تؤمن لعائلاتهم مصدر رزق يعتاشون منه، ويكون وصمة عار للدولة التركية التي تستغله بغباء لحشر نفسها في تسويات سياسية أوروبية ودولية لانصيب لها فيها. أما الإرهاب القادم الذي إن توّغل في بنية الفوضى فلا فكاك منه هو إرهاب المرتزقة الروسي الذي يمثله مايسمى ب "جيش فاغنر" الذي ذكرت تقارير في أوائل نوفمبر من العام الماضي أن مساهمته في تأجيج العنف الليبي ـ الليبي كانت مطروحة في المحادثات بين وزير الدفاع الروسي وقائد مسمى الجيش الوطني الليبي، حيث أبرزت صور الأخبار رجل الأعمال يفغيني بريغوجين، المعروف باسم "طباخ الكرملين" المرتبط اسمه بمجموعة مرتزقة فاغنر، وقد فُسر حضوره بأن جانباً من النقاشات تعلق بإرسال مرتزقة إلى ليبيا.