Atwasat

مجرد اجتهادات!

سالم المعداني الثلاثاء 01 يناير 2019, 11:41 صباحا
سالم المعداني

إن تعزيز العمل المدني في ليبيا، وترسيخ مفاهيمه، وتمكينه من المشاركة الفاعلة في التنمية الشاملة والمستدامة، لا تمكن إلا بوجود بيئة تشريعية معززة لنمائه، وحامية لحقوقه، وداعمة لحرياته، وضامنة لاستقلاليته، وموائِمة للاتفاقيات والمبادئ الدولية التي تحمي المجتمع المدني، لا سيما التي صادقت عليها الدولة الليبية كالاتفاقية المتعلقة بحرية تكوين الجمعيات وحماية حق التنظيم عام 2000م، واتفاقية حق التنظيم النقابي والمفاوضة الجماعية عام 1962م، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية عام 1970م، وغيرها من الاتفاقيات والمعاهدات الدولية التي في كثير من الأحيان لم تتواءم مع التشريعات والقوانين المحلية المؤثرة في منظمات المجتمع المدني كقانون الجمعيات رقم 3 لسنة 1950 م، والمادة (26) من دستور الاستقلال سنة 1951م ، والمواد (54-79) من القانون المدني سنة 1953م، والقانون رقم 111 لسنة 1970 بشأن الجمعيات الأهلية والقانون رقم 19 لسنة 2001م بشأن إعادة تنظيم الجمعيات الأهلية، والمادة (15) من الإعلان الدستوري المؤقت سنة 2011م، وغيرها من التشريعات والقوانين المؤثرة في منظمات المجتمع المدني التي لم تكن ضامنا لاستقلالية وحرية قطاع المجتمع المدني في ليبيا ولا رادع لممارسات التضييق عليه.

إن ضمان وجود منظمات المجتمع المدني قانونياً وتنظيماً يعتمد بشكل أساسي على مدى مواءمة بيئتها التشريعية مع احتياجاتها القانونية والتنظيمية ومواءمتها للمبادئ الدولية التي تحمي المجتمع المدني، ومدى ثقة الدولة في قدرتها على المشاركة الفاعلة في التنمية الشاملة والمستدامة، فالتشريعات وحدها لا تكفي لبناء مجتمع مدني قوي ومستقل، وقادر على التأثير في رسم السياسات واتخاذ القرارات. ولكنها تظل الخطوة الأهم والأساس للتوجه نحو بناء دولة المواطنة والدّيمقراطية وسيادة القانون فالدولة التي تؤمن بذلك، تعرف من خلال ممارساتها مع قطاع المجتمع المدني.

بعد عام 2011 وما صاحبه من فراغ قانوني بسبب تعطيل القانون رقم 19 لسنة 2001 بشأن إعادة تنظيم الجمعيات الأهلية، وعدم سن القانون البديل، وضعف تجاوب الجهات ذات العلاقة مع الاجتهادات الخاصة بتقديم مقترح قانون ينظم عمل منظمات المجتمع المدني، وآخرها مقترح القانون الذي قدمته مفوضية المجتمع المدني في مطلع عام 2017. وهذه الاجتهادات وغيرها لم يكتب لها النجاح إلى يومنا هذا، وهذا يجعلنا نطرح سؤالا هل الدولة على دراية بأهمية دور منظمات المجتمع المدني؟ أم أن الإشكالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأمنية جعلت من مسألة سن هذا القانون مسألة ثانوية؟ كما أن هذه الاجتهادات كان ينقصها التنسيق والتعاون الجاد بين كل الجهات ذات العلاقة، التشريعية والتنفيذية والتنظيمية ومنظمات المجتمع المدني، فسن التشريعات والقوانين واقتراح تعديلها يحتاج لمشاركة كل هذه الجهات فبدونها ستظل مجرد اجتهادات.