Atwasat

بَياتٌ شتوي

عبد الكافي المغربي الإثنين 31 ديسمبر 2018, 03:03 مساء
عبد الكافي المغربي

إن أعز الأمنيات على الطفل البشري في هذه الأيام، ولا شك في ذلك، أن تلم به وعكة أو تنزل كارثة إبان موسم الدراسة، فتكتنفه الألحفة ويستضيفه الفراش إلى ساعة متأخرة، ثم إنه سيهنأ باللهو في المنزل بينما يجلس أقرانه في أرض أخرى على مقاعد الدراسة وهم يستهلون مغامرتهم في سبيل الانشقاق عن القطيع وتأسيس حياة متفردة.

والحق إني لألمس في هذا التوق الجياش إلى "العطالة" أعراض داء مقاومة التغيير، وهو داء لطالما مَثَّلَ تحديا للتقدم بما هو خوفٌ من كل جديد، ولا شك أن الإنسان حمل معه في رحلة تطوره (بالإضافة إلى أصل الذنب) حنينا إلى العصور المغيبة في عقل الزمن التي قست فيها الطبيعة على أسلافنا، وكان الكائن الصغير (سيصبح الطفل المحبوب الذي تُهدَف لأجله الروح في عصر الأسرة الزاهر -عصرنا-) يتشبث بأمه محملا إياها أثقال إطعامه ورعايته من أغوال البرية وبراثن الوحش، والأهوال التي يدخرها البالغون المنافسون لصغير ضال. فلما زالت الأخطار تباعا خلال تاريخ تطور النوع البشري، ظل الكائن الصغير ينقبض صدره من كل برنامج منظم يعزله عن أحبائه، ويلجم خفته، فيستكره التغيير بما هو كذلك، وإن كان عاجزا عن نبذه تماما إزاء إصرار الأبوين على تثقيف طفلهما وتهذيبه.

ونحن أغنياء عن بيان أن الطفل الليبي يكاد يكون أسعد الأطفال جميعا، فهو يتتلمذ في جو دراسي عشوائي طابعه التسيب والتهلهل، يعاضد تناقضه مع أعراف التعليم في عصر العولمة هزال المادة وعجز المعلمين، وعدم كفاية تأهيلهم، بما أنهم نتاج البيئة نفسها، وصاحبُنا الصبي الليبي بعد ذلك ينعم بإجازات تتوزع على مسافة العام الدراسي، وقادة الآباء يَعِّز عليهم ألا يهدوه "العطلة" جزاءا على ما سيكون من حسن السيرة في مستقبل وظيفته مواطنا خاضعا جاهلا ومنكودا، [فكم هو نفيس ونبيل مواطننا، كم هو متكيف مع البرنامج الذي وضعناه، كم هو حي وكم هو إلى ذلك غني بالعدم].

لا شك أنه في العصر المتسارع المخيف الذي نعيشه، والذي نشهد فيه قانون التطور يتبجح أكثر من أي وقت مضى، ودُرْبته في اصطفاء نوع أرقى من الإنسان، ذكي جميلٌ وقوي موهوبٌ ومهيمن على الطبيعة، لا تخطؤها العين الجاهلة حتى إذا دققت، وترتعد لملاحظتها فرائص المهذب المثقف. نقول لا شك أن طغاة العرب وسدنة دولهم من الفقهاء الدجالين في عصر العلم سيحرصون أبدا على تحقيق أحلام أطفالنا برحلة دراسية يحسدهم عليها أطفال البلاد المتحضرة، ذلك أن العطلة أهون من الاستعانة بمقدرات البلاد العربية لإصلاح البنى التحتية حتى لا يتحول ماء الحياة إلى شر يضيف إلى الموت موتا، ويحال بين المُريد وسِلْك العصر، أو في الاستجابة لتحديات وجودية خطيرة تجعل الأجيال التالية تنحط إلى كائنات واطئة، وسيظل السائلون يسألون: إن لم تكف هذه الثروات عنا نظرات الشفقة والرأفة يرسلها الإنسان الأرقى في العالم المتحضر، فمن وما الذي يفعل؟.