Atwasat

في ذكرى استقلال ليبيا

آمنة القلفاط الأربعاء 26 ديسمبر 2018, 11:06 صباحا
آمنة القلفاط

يوافق الرابع والعشرون من ديسمبر ذكرى استقلال ليبيا الأول. يتناول البعض من الليبيين هذه الذكرى بالعودة للوراء وتذكر أحداثها، بحسرة وندم على حقبة في تاريخ ليبيا، ويرون أن الأجداد بذلوا جهدهم في وضع لبنات بلادهم. يرى آخرون أنها حلقة متصلة بما قبلها وما جاء بعدها، مستعرضين عيوبها، منقبين عن مساوئها من حيث التفرد بالسلطة واستبعاد الخصم. يبدوا أننا دائما ما نفتقر إلى المنهج السليم في الحكم، المنهج الذي يستند على المعطيات، مروراً بالظروف المصاحبة والمستجدة للحدث، ووصولاً إلى ما آلت إليه الأمور. الحكم الذي يراعي معطيات كل حقبة على حدة، ليصدر حكمه مبنياً على تلك القاعدة. لا حكماً يستند على معطيات الحاضر، ليحاكم به أخطاء الماضي.

في مثل هذا اليوم [24/ 12] سنة 1951، بدأت صفحة جديدة في تاريخ ليبيا، في ذلك اليوم أصبحت ليبيا كما لم تكن من قبل، دولة ذات سيادة، معترفا بها من هيئة الأمم المتحدة. سبق ذلك اليوم، رحلة طويلة من الجهاد والمفاوضات والمحاولات العديدة والمتنوعة لتكون لليبيا سيادة معترف بها. تخلل ذلك ظروف بالغة الصعوبة من مجاعات وأمراض وفقر شديد وأمية، عصفت بالبلاد وأدت إلى فقدانه نسبة كبيرة من أبنائه بين موت ونزوح ونفي. لم تكن الأرضية التي بدأ منها استقلال ليبيا، أرضية صلبة، مريحة، وتسهل معها السير بالدولة نحو الازدهار والتطور.

في كلمته من شرفة قصر المنار من مدينة بنغازي، أعلن ملك البلاد "محمد إدريس السنوسي" في كلمته الواضحة، الموجهة إلى أبناء ليبيا، أن أعز أمانيه أن تحيا البلاد حياة دستورية، وتمارس السلطات فيها وفقاً لأحكام الدستور، خاتماً كلمته بالدعاء لله أن يعينه على الخير ويسدد سعيه إليه. وبقدر سعادته بنيل استقلال توج كفاح عشرات السنين، بقدر الحرص والإحساس بالمسئولية، الذي جاء من خلال رسالته، مستحضراً حال البلاد وحجم التحديات المقبل عليها.

كانت ليبيا في تلك الفترة في قائمة الدول الأشد فقراً، مع تحديات اقتصادية جمة تعيق تسيير دواليب الدولة الناشئة. مع الأخذ في الاعتبار أن قرار منح الاستقلال، لم يشمل آلية تمويل، تساعد في تأسيس مؤسسات الدولة الوليدة.

بعد إعداد دستور البلاد، صدر في نوفمبر 1951م قانون الانتخابات، وعليه فقد تطلب إجراء الانتخابات في مدة زمنية تنتهي 20 فبراير 1952م. تخلل فترة انتخاب مجلس الأمة الليبي، وما تلاها من إعلان النتائج، محطات هامة في تاريخ ليبيا. تركت أحداث هذه المرحلة وتداعياتها، أثراً على الحياة السياسية في ذلك الوقت، ولا يزال تأثيرها حتى يومنا هذا؛ دون الخوض عميقاً في الأسباب التي دعت رئيس الوزراء آنذاك "محمود المنتصر" لوأد الحياة السياسية. هنا وفي هذه المحطة، تحديداً، أود أن نستبعد الأهواء الشخصية، والحكم على الأمور من وجهة النظر الأحادية، التي لا تراعي الإطار العام.

فالحكم عليها يتطلب المعرفة الدقيقة بالمعطيات على الأرض، وإلمام بالتحديات الاقتصادية البالغة الصعوبة، مع إدراك محدودية الخبرة السياسية أيضاً. الفكرة السائدة في ذلك الوقت، كانت العبور بالبلاد إلى بر الأمان دون المغامرة بتعريضها إلى تلك الأمواج المتلاطمة، التي قد تنتج من ازدياد السخط الشعبي، غير المدرك للتفاصيل الدقيقة. الرأي الشعبي، الذي يحكم بعاطفته، سريعة الهيجان، خاصة إذا كان الضغط على وتر العروبة والإسلام وعودة المستعمر. هنا، وللحياد، علينا تحميل جزء من المسئولية على قادة الأحزاب الطرابلسية، تحديداً. لم يراعِ قادة الأحزاب طبيعة المناخ السياسي، ولم يراع أيضا، المسئولية الأدبية التي تأخذ في المقام الأول، الطبيعة السوسيولوجية لحراك الشارع، وتأخذ في الحسبان رد الشارع العنيف واستجاباته غير المدروسة، خاصة مع من يتجاوز خطوطه الحمراء، والتي هي، العروبة والإسلام.

الحكم على فترة الحكم الملكي من حيث إلباسها ثوب الكمال، أو على النقيض من ذلك، وهو رفضها كونها السبب في تخلف الحياة السياسية الليبية، هو إجحاف في حقها. المرحلة كانت تتقدم بالدولة للأمام وفق المعيار الزمني، والمعطيات الموجودة آنذاك. قطعت شوطاً في البناء والصناعة وحرية السوق والصحة والتعليم، رغم قلة الموارد. المشاركة والمساءلة والقانون كانت تأخذ مجراها بشكل انسيابي حر، دون عرقلة من جانب السلطة الحاكمة، تفسده أو تقوض بنيانه. كان هناك إلى حد ما، فصل في السلطات، لم يدعمه ويقويه الحراك المجتمعي، وهو يتحمل جزءا من المسئولية هنا. المرحلة الملكية في تاريخنا الليبي، بالتأكيد لها بعض المآخذ، وهو قول يؤخذ منه ويرد عليه. للقصر حاشيته، والمطبلون له، بالتأكيد، وربما كان هذا إحدى نتائج وأد المشاركة السياسية الحرة والنزيهة والمبنية على الكفاءة.

لرأي الشارع أيضا، الذي كان بعيدا عن المتابعة والنقد الإيجابي المدروس، دور في ذلك. تخلي الشارع أيضا عن دعم الأحزاب، عندما كان لزاما عليه الوقوف معها. لقد تركت للسلطة الحاكمة وقتها، الحرية في انتهاج المسلك الذي انتهجته، ولنا هنا أن نستفيد ونعترف، ولا نحمل طرفاً المسؤولية ونترك أطرافاً. ديسمبر أو سبتمبر أو حتى فبراير كلها تمثل اجتهادات بشر، يمكن لنا أن نبحث عنها في مراكز البحث العلمية الموثقة... ربما كانت الجغرافيا السياسية إحدى المعضلات التي تواجه صانع القرار الواقع بين الطموح وبين الشارع الغاضب والباحث عن هوية. هوية بددتها رياح التغيير القومية تارة والإسلامية تارة أخرى. لانزال نبحث عن الشخصية والهوية ومصلحة بلادنا، التي لو دققنا النظر لوجدناها واضحة تضرب في التاريخ حتى القرن السابع قبل الميلاد.