Atwasat

مصير.. ترامب!

حمدي الحسيني الأربعاء 19 ديسمبر 2018, 10:55 صباحا
حمدي الحسيني

بسجن «مايكل كوهين»، المحامي الشخصي السابق للرئيس الأميركي دونالد ترامب، ومحاكمة «بول مانافورت» رئيس حملته الانتخابية، واعترافات «مايكل فلين» مستشاره للأمن القومي، واستقالة العشرات من مساعديه الشخصيين والعديد من الوزراء، كل هذا وغيره من الأحداث المثيرة ربما يؤدي في نهاية المطاف - وفقاً لمحللين أميركيين- إلى محاكمة ترامب أو عزله من منصبه في أقرب فرصة.

ولا يزال «روبرت موللر»، المحقق الخاص المكلف من قبل وزارة العدل يستدعي مزيداً من الشهود للكشف عن مدى تورط الروس في التلاعب بنتائج الانتخابات الرئاسية التي فاز فيها ترامب، وبالرغم من بطء إجراءات «موللر»، لكنه تعهد بعدم إغلاق هذا الملف قبل أن يكشف حقيقة علاقة ترامب بهذه القضية الخطيرة!.

منذ اليوم الأول لدخوله البيت الأبيض بدأت تتكشف ميوله المعادية للديمقراطية، وبدأ يمارس سلطته كرئيس شركة عقارية يسعى إلى تحقيق أرباح ومكاسب مالية، بصرف النظر عن تعارض ذلك المسلك مع القيم الديمقراطية الراسخة التي حققت للمجتمع الأميركي تميزه وكانت مدعاة لفخره واعتزازه طوال العقود الأخيرة.

بالرغم من بطء إجراءات «مولر»، لكنه تعهد بعدم إغلاق هذا الملف قبل أن يكشف حقيقة علاقة ترامب بهذه القضية الخطيرة!

بني الرئيس الأميركي استراتيجيته على هدم وتشويه المؤسسات الإعلامية الكبرى بدءًا من الـCNN، وانتهاء بـ نيويورك تايمز، مروراً بالواشنطن تايمز وغيرها من كبريات الصحف ومراكز الأبحاث العريقة، وحاول ذبح القطة لهذه المؤسسات، تارة بالمراوغة وتارة أخرى عبر تهميشها والإساءة لها وللعاملين فيها، ثم لجأ إلى وسائل التواصل الاجتماعي للتغريد المستمر بما يصدره من قرارات، ومتصوراً أنه بذلك يفوت الفرصة على هذه الصحف ويسحب البساط من تحت أقدامها، متجاهلاً تلك الخبرات وذلك الرصيد الهائل من الثقة الذي لا يزال يربط المواطن الأميركي في دقة وحرفية أغلب العاملين في أروقة تلك المؤسسات الكبرى؟

جرائم ترامب لم تتوقف عند انتهاك القانون في دفع محاميه الخاص لإسكات بعض رفيقاته السابقات وهي الجريمة التي عوقب عليها بـ ثلاث سنوات سجن، فضلاً عن «التواطؤ» مع دول وشخصيات من الشرق والغرب، مقابل تحقيق منافع اقتصادية واستثمارات مالية، بل وصل به الحال إلى تهديد الأميركيين بالفوضى في حال تعرضه للعزل أو السجن، وهو بذلك لا يختلف عن باقي حكام الشرق الأوسط المستبدين.

ما يهمنا هنا أمران، الأول هل يمكن عزل ترامب من منصبه، أم سيكمل فترته الرئاسية الحالية رغم تصاعد قوة ونفوذ الكونغرس وسيطرة خصومه الديمقراطيين عليه؟

الأمر الثاني ما احتمالات إعادة انتخابه لفترة رئاسية ثانية وأخيرة؟

بعيداً عن مشاعر الكراهية التي يضمرها الكثير من العرب والمسلمين لهذا الرئيس الفظ، فإن وجود ترامب في قمة السلطة الأميركية، خلّف لشعبه ممارسات سيئة، بسبب ضيق صدره بمن يعارضه وتململه وسخريته الدائمة من المخالفين له في الرأي، لكن الأهم أنه سيرتبط في أذهانهم دائماً بالتواطؤ، والتحايل للوصول إلى المنصب عبر تحالفات خارجية بناها مع روسيا الخصم التقليدي للولايات المتحدة، إلى جانب إعجابه ومساندته الدكتاتوريات والحكام الفاسدين، كما أن وجود ترامب في البيت الأبيض سيظل مقروناً في ذاكرتنا العربية بأنه الرئيس الذي أعلن على الملأ ابتزاز الممالك النفطية وسلب أكبر قدر من أموال شعوبها مرة بالتحايل ومرات بالتهديد، كما تلاعب بمصير القدس المحتلة، ووقع في المحظور الذي تجنب سابقوه الوقوع فيه.

السيناريو الأقرب للواقع أن يقدم استقالته قبل انتهاء فترته الرئاسية الحالية، ويتولى نائبه المسؤولية ويصدر عفواً عاماً يحصنه ضد الملاحقة

أغلب الاحتمالات تتحدث عن أن مسألة عزله من منصبه أمر بالغ التعقيد، وربما يكون صعب التحقيق عملياً، لكن السيناريو الأقرب للواقع أن يقدم استقالته قبل انتهاء فترته الرئاسية الحالية، ويتولى نائبه المسؤولية ويصدر عفواً عاماً يحصنه ضد الملاحقة القضائية.
أصحاب هذا الرأي يسترجعون ما جرى للرئيس الأميركي الأسبق «نيكسون»، الذي اختار هو الآخر معاداة الصحافة ووسائل الإعلام، وتشاء الظروف أن تقف الصحافة وراء خروجه «المذل» من البيت الأبيض بفضيحة ووترجيت الشهيرة!

وهناك من يرى أن شخصية عنيدة ومتكبرة مثل ترامب لن تستسلم بسهولة، وربما يسعى إلى مساومة الشعب الأميركي على طريقة الحكام العرب إما أنا أو الفوضى، لكن الرد يأتي سريعاً على هذا الطرح بأن المؤسسات الأميركية من القوة والثبات، بحيث لا يستطيع أي مسؤول مهما بلغ من نفوذ وغرور يمتلك القدرة على هزها والنيل منها، وأنه ربما لا يجد أمامه سوى الاختيار بين الاستقالة أو السجن!

في كل الأحوال فإن وصول ترامب إلى الحكم في الولايات المتحدة ترتب عليه خسائر معنوية كبيرة للدور الأميركي حول العالم، لحساب روسيا والصين، وأظن أن المؤسسات الأميركية سوف تبدأ من اليوم التالي لاختفائه من السلطة في وضع استراتيجية جديدة لاستعادة صورتها التي شوهها لدى أغلب شعوب الشرق الأوسط بل عند ملايين الأحرار حول العالم.