Atwasat

مصلحة الوطن وطبيعة المصالح

نور الدين السيد الثلثي الإثنين 17 ديسمبر 2018, 01:24 مساء
نور الدين السيد الثلثي

لم يكن الغرب ليفوِّت الفرصة متى كانت مواتية، للإطاحة بنظام معمر القذافي، رغم عودة دفءٍ كان مفقوداً بينهما لعقودٍ سابقة. وما كان لغير اعتبارات الغرب المصلحية الاستراتيجية أن تؤدّي إلى تدخّله العسكري في ليبيا سنة 2011؛ أما ’حماية المدنيين‘ فلم تكن غيرَ ذريعةٍ وواجهةٍ مريحة. إن ما حدث ويحدث في ليبيا ليس بعيداً عمّا يجري في منطقتنا منذ غزو العراق سنة 2003، وحربٍ إسرائيلية فاشلة على لبنان سنة 2006، وهو في صُلب ربيعٍ مستمرٍّ في جَرف القدرات البنيوية والعسكرية والاقتصادية وتمزيق النسيج المجتمعي للدول التي مرّ بها، دافعاً بأنظمةٍ عربيةٍ بعينها إلى تصدّر المشهد هدماً، وتمويلاً للهدم، وتنظيراً له، وتفريطاً في الأرض والمستقبل، مقابل احتمائها بالأجنبي خادمةً لمصالحه وممكّنةً للعدو من السيطرة على المنطقة كلها.

مرت ليبيا، بعد ثورة فبراير، بحروبٍ وحلقاتٍ متتالية من الفشل في بسط الأمن وبناء الدولة واستعادة الليبيين الولايةَ على أرضهم. وعلى العكس مِن المرجوِّ مِن تلك الغايات، انهارت المؤسسات، واستشرى الفساد، واشتدّت المعاناة، وانكشف خطرٌ حقيقي بضياع الوطن.

بدأت محاولات ’حلّ الأزمة‘ بمقترَحٍ طرحته البعثة الأممية صيفَ سنة 2014 بـ "تقاسم السلطة" بين الفئات السياسية المتصارعة، دون انتظارٍ لنتائج الانتخابات النيابية. وبقي تقاسم السلطة - محاصصةً وتقاسمَ مغانم - واقعَ الحال وإن تغيّرت المسمّيات. واستمرّت الغاية من التقاسُمِ قائمةً بين مَن نرى من قُوىً وأشخاصٍ تمكّنوا.

وجيء بهيئاتٍ وأشخاص فُرضوا استناداً إلى ’شرعيةٍ دولية‘ لم تُـلْـقِ بالاً إلى شرعيةٍ وطنية أو قبولٍ شعبي، أضيفوا إلى برلمانٍ عاجزٍ انتخبه الليبيون أنفسهم، ولم يرْقَ - مثلما كان حال سلفه المؤتمر الوطني - إلى المسؤولية الوطنية والأخلاقية التاريخية التي تمليها المرحلة. فُرضت هذه الهيئات والأشخاص كأمرٍ واقعٍ، ومن دون التفاتٍ إلى مطلب بسط: الأمن أولاً. فشل ’الحلّ‘ الذي رُوِّج له ومُرِّر على أنه ’الحلّ الذي لا بديل له‘، وأخّر العبور إلى بناء الدولة، وكأنه ابتُكر أصلاً لكيلا ينجح. وقد جرى ذلك كله برعاية دولية وأممية.

خروج ليبيا من محنتها مرهون بالتأسيس على معطيات الواقع الأمني والسياسي، وعلى رؤيةٍ وحساباتٍ وطنية، هدفه بسط الأمن، ورفع المعاناة اليومية، ومواجهة الفساد والفاسدين، وإطلاق عجلة الاقتصاد؛ يُنهي حالة المركزية، ويستعيد الوحدة الوطنية، ويبني الدولة الواحدة الجديدة؛ وليس وِفق مصالح الدول وارتباطاتها بليبيين شرعوا لها الأبواب لتضع اليد على رسم مستقبل البلاد. مصالح الدول ستفرض نفسها عنصراً مؤثّراً في أي حل، ولكن أن يكتفي الليبيون بمجرّد الانخراط فيما يُقدّم لهم فذلك شأن آخر.

العِظَة من عملية الصخيرات هي ألا تكون المرحلة المقبلة استنساخاً لها، خاصةً في دور البعثة الأممية والمجموعة الدولية، وإلا كانت النتيجة هي ذات النتيجة: فقيرة في صدق تمثيلها لليبيين، وفاشلة عندما يحين وقت تنفيذ مُخرجاتها. للدول مصالحها التي تتنافس من أجل تحقيقها، والتي لا تحظى المصلحة الليبية فيها بأكثر من دورٍ ثانوي على الأطراف.

يتّضح ذلك جليّاً في استقبالها لمشتقات النفط الليبية المهرَّبة، وتصرّفها في فوائد الأموال الليبية المجمّدة، ودعمها لفئاتٍ خارجةٍ عن إطار الدولة. أولياء المصلحة الليبية هم الليبيون وحدهم، العاملون منهم متجرّدين من الأطماع الشخصية والمصالح الفئوية والارتباطات الدولية، لإنقاذ وطنٍ لم يكن عند آخرين أكثر من مستودع غنائم. أما الرّؤَى والخطط الأجنبية - مثلما هي للمنطقة العربية بأكملها - فينبغي أن تكون محلّ رِيبةٍ وتفحّص دائميْن. ليس في هذا تجاوزٌ للواقع أو الحقيقة. هي فقط طبيعة المصالح.