Atwasat

سلم سيدي

خديجة العمامي الثلاثاء 20 نوفمبر 2018, 11:42 صباحا
خديجة العمامي

"سلم سيدي سرحنا. حط عظامه في الجنة". كلمات يرددها الأطفال بعد أن يعطيهم "سيدي الفقي" الإذن بالانصراف إلى بيوتهم بعد ساعات من تحفيظ القرآن الكريم في المسجد.

وهنا يجب أن نوضح جمال تسمية هذا المعلم الفاضل بهذا الإسم وكيف تغير عبر الأجيال وما المقصود منه، كان الليبيون يطلقون على محفظي القرآن الكريم وأئمة المساجد اسم "فقيه" أي إنه من تفقه في أصول الدين الحنيف وأخذ على عاتقه تفقيه وتوعية الناس في أمور دينهم.. وعلمتهم الفطرة المتوارثة والتى هي من أسس ديننا الإسلامي الذي فطرنا عليها أن هذا الرجل يؤدي مهمة التوعية وليس الوساطة بينهم وبين الخالق ولم يرتقِ فكر الناس في ذاك الوقت إلى عبادته كونهم يطلقون عليه كلمة "سيدي" فسيدي في اللهجة الليبية تطلق احتراماً وتقديراً وهي تأخذ كلمة "معلمي" وتستخدم في أكثر من حالة. فمثلاً في الشرق الليبي يطلقون هذا الوصف على العم أي أخ الأب ويطلق بعض مدن الغرب هذا الوصف على الأب.. ومقصوده لا يرتقي للإساءة أو الاعتداء على الصفات الربانية التي كان المجتمع الليبي شديد الحرص عليها بالفطرة وليس بالقوة. حاشا لله أن يفعلو ذلك.

ولا تتجاوز مهمة الفقيه حدودها فهي تمثل الإصلاح بين المتنازعين فهي مؤسسة ساعية للخير والترابط لا للتكفير ومبدأ إن لم تكن مع فكري فأنت كافر. تغيرت المسميات بما يناسب السياسات التي لا تنفك تحشر أنفها لتبث أنفاسها العفنة في كل شيء حتى ما يتعلق بين العبد وربه ودخل اسم (الشيخ).. الذي عرفه المجمتع الليبي القبلي منذ القدم يطلق على شيخ القبيلة ويعني أن يشوخ أي أن يحكم ويقود. وهنا أصبح للمسمى هدف آخر منحه لنفسه حتى يكون له حق التحكم في العباد بما يناسب توجهه وتفكيره الذي يكون ولاؤه الأول لجماعته وليس لله.. فأصبحت دول تستعمر بهذا المسمى كونه لا يرد.

فهو يتحدث باسم ديننا الذي نعتز به وهو مزروع في أعماقنا كونه الرابط الوثيق بيننا وبين رب العباد والمرتبط بالأخلاق الليبية الأصيلة المتوارثة.
ولم تكتفِ سياسة الدول في التدخل بهذا.. حيث قامت بتغيير كل ما كان معهودا لدى الليبيين من بساطة الدين إذ استغلت محبة الليبي البسيط لدينه وغيرته عليه.. فالمجتمع الليبي يتميز بأن حتى من لا يؤدون واجباتهم الدينية كاملة لديهم خطوط حمراء صنعتها الفطرة في أعماقهم لا يعتدون عليها ويعتبرونها مقدسة.. غير أن هذه الدول التى قررت أن تستعمرنا فكريا تسعى إلي طمس هوية ليبيا والليبيين بالكامل حتى في ملبسهم ولهجتهم وطقوسهم المتوارثة منذ القدم.. وهنا لا يسعني إلا أن أقول للذين يخرجون علينا بالزي الشعبي السعودي أو الأفغاني أو غيره من الألبسة الغريبة الوافدة على البلاد مع لهجتهم التي يتم زرعها على شفاه مريديهم.. لو كان في تغيير الهوية فضل لما سبقتم عليه عمرو بن العاص حين أتى إلى شمال أفريقيا ناشراً الدين الإسلامي الجميل.

إذاً كلمة شيخ لم تكن عبثية بل أتت حتى يشوخ فكرهم الوافد إلى بلد مسلم وسطي، نعم نريد شريعة قرآننا الكريم ولكن لا نريد أفكاركم المقيتة التي أتت من أجل الاستعباد والتبعية للشيوخ، وليست تبعية خالصة لله وحده فالله عز وجل لم يمنحها للرسول الكريم حين قال في كتابه الشريف {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (23) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (24)} [سورة الغاشية]. وهذه الآية الكريمة تؤكد على أن سيدنا محمد عليه السلام أتى ليذكر فقط فلم يمنحه الله صفة المسيطر وعقاب المتولي والكافر هو مهمة إلهية. أي لا تتدخلوا في مهام الخالق فلستم أربابا لهم.