Atwasat

في ليبيا أيضا، قرنٌ من حربٍ كبرى لم تنتهِ بعد!

أحمد الفيتوري الثلاثاء 20 نوفمبر 2018, 11:39 صباحا
أحمد الفيتوري

1-
التلفزيون الليبي افتتح في 24 ديسمبر 1968، البرنامج الرئيس الذي شدني في صباي آنذاك سلسلة لا تنقطع من الأشرطة الوثائقية التي يقدمها المذيع والمخرج عبد الفتاح الوسيع، العلمي منها "من أجل البقاء" أما التاريخي فعن الحرب الأوربية الكبرى الأولى فالثانية، ومنذها أتابع وأقرأ حول هذه الحرب الكبرى ولم أر أيما إشارة للدول غير الأوربية التي دمرتها أو نالتها هذه الحرب العالمية!.

الأزمات والمطامع الاستعمارية الأوربية كانت مع نهاية القرن التاسع عشر قد وصلت ذروتها، لحظتها وصف الكاتب الأمريكي الساخر مارك توين أوروبا بالعجوز المجنونة. دول أوربية جديدة خرجت للوجود في هذا القرن منها على الخصوص: إيطاليا عام 1871، وفي نفس العام ألمانيا بقيادة بسمارك، وأضف إلى هذا أن التصارع المحموم جرف إمبراطورية عظمى أي الإمبراطورية العثمانية فحولها إلى الرجل المريض التي تقاتل الأوربيون لأجل اقتسامها.

المملكة الإيطالية المولودة لتوها بفضل القومي غاليباردي تعاني من الولادة القيصرية، لهذا فإن جوليتي رئيس الوزراء وجد أن أفضل علاج استعادة روح الإمبراطورية الرومانية، وتصدير الأزمة بالمشاركة في العراك على اقتسام الكعكة العثمانية، فخلق أسطورته ما نعتها بالشاطيء الرابع لإيطاليا: إيالة طرابلس الغرب، حصل على مراده لأن الإمبرياليتين المتنافستين بريطانيا وفرنسا منحتاه حق خلق فاصل بين مستعمراتهما في الشمال الأفريقي.

7 أكتوبر 1911م غزا الإيالة أسطول بحري إيطالي ضخم، وصدر مرسوم ملكي باسترجاع الشاطئ الرابع وسماه ليبيا، فاندلع قتال مع العثمانيين الذين هُزموا فتنازلوا عن الإيالة في اتفاق أوشي لوزان 1912م، لكن القتال لم يتوقف لأن أهل البلاد عدوا الاتفاق الغادر استقلالا، والاستعمار الإيطالي لم يحقق ما عده نزهة لقواته للسيطرة على ليبيا. الحرب الكبرى الأولى كانت تدق الأبواب المغلقة لأوروبا التي لم تفلح في الاتفاق حول السيطرة على مقدرات العالم.

2 -
ليبيا كانت ساحة رئيسة للحرب الكبرى الثانية، هذا مهده الأساس كان الحرب الأوربية الكبرى الأولى التي دحرت فيها جيوش إيطالية على الأرض الليبية من قبل المقاتلين الليبيين بين عامي 1914 / 1918، وذلك بدعم من الدولة العثمانية وحليفتها ألمانيا ما غواصاتها نقلت السلاح والقادة إلى ميناء مصراته.

مصراته تحولت عقب الهزيمة لقاعدة للثوارالليبيين في غرب البلاد، من سيعلنون في بيان تُلي في بلدة مسلاته 16 نوفمبر 1918 تأسيس أول جمهورية عربية، في الأثناء في شرق البلاد حاصر شيخ المجاهدين عمر المختار الإيطاليين في المدن عند الساحل.

وإذا كانت الهزيمة في ألمانيا قد ولدت هتلر والنازية، فإن النصر الإيطالي الباهظ الثمن خلق موسوليني والفاشية ما كان سابقا لهتلر والنموذج. ونصر إيطاليا وحلفائها تمثل للإيطاليين في ليبيا كهزيمة، فالكثير من الأراضي الليبية تم استردادها ودحر الجيش الاستعماري في معارك كبرى، ولهذا فإن الفاشية التي قمعت الإيطاليين في روما دفعت (زعيمها) الدوتشي موسوليني كي يستعيد إمبراطورية روما في ليبيا إلى أن يمارس استراتيجيا الأرض المحروقة.

إن الحرب الكبرى استمرت في ليبيا لكن بروح فاشية، ما غرست أنيابها في كل جسد وعقل وروح البلاد لتوكيد مجد موسوليني وعصبته الفاشية، وعليه جند الأطفال والصبيان والفتيان الليبيين في هذه العصبة، والشباب وحتى الكهول كجنود لمحاربة الشيخ عمر المختار وفيلقه من اللبيبين من استمروا في محاربة غراسياني نائب موسوليني في شرق ليبيا، ومن ثم نقل من جند من الليبيين مع الجيش الفاشي لاسترداد أثيوبيا والتوسع في شرق أفريقيا، ثم فيما بعد في جيوش إيطاليا حليفة هتلر في الحرب الكبرى الثانية.

هكذا لم تتوقف الحرب الكبرى الأولى في ليبيا إذ أخذت صيغا أخرى ليس إلا، ولم يكن إعدام الشيخ عمر المختار إلا أيقونة لمفاعيل تلكم الحرب منتجة موسوليني والفاشية. وأثر هذه الحرب الكبرى التي لم تنته بعد، حقنت ليبيا بالدماء الفاشية وسُمها الزعاف.