Atwasat

رائحة البخور أفضل من رائحة الدم

خديجة العمامي الخميس 15 نوفمبر 2018, 04:43 مساء
خديجة العمامي

يتصاعد الغزو الفكري والثقافي للشعوب؛ بهدف السيطرة عليها وتحويلها إلى بيادق، وبما يحمله ذلك الغزو من مخاطر محدقة بالهوية والانتماء.

فالانغماس في التحضر المترف الذي لا علاقة له بالمكان، يفقد الشعوب هويتها، فمحاولة تقليد الشعوب الهشة شعوبًا أخرى تختلف عنها فى القيم والعادات والتقاليد والدين، يفقدها هويتها ويبعدها عن كثير من موروثاتها، تلك الموروثات القادمة من رحم الأصالة الليبية التي هي أساس الروابط بين فئات المجتمع الذي ينتمون إليه.

لا تقتصر مخاطر التقليد الأعمى على ذلك فقط، بل هناك الخطر الثاني، الأشد فتكًا بالشعوب والأكبر خطورة عليها، خطر يولد ويترعرع ويجد بيئة حاضنة وتربة خصبة للنمو والازدهار. إنه التطرف، الذي يرتدي، كذبًا، عباءة الدين وأولى خطواته تتمثل في تغيير النمط الشكلي للمكان والعامة، وذلك بإدخال نوع من الأزياء والطقوس غير المعهودة ومحاولة تعميمها على ذوي العقول الرخوة، ضيقة الأفق، وأصحاب العقيدة الضعيفة، واهمين أتباعهم بأن هكذا.. (يريد الله).

«إنها من أجمل المناسبات لدى سائر العائلات الليبية،
بما يمثله ذلك اليوم من كونه يوم سلام وحب بامتياز.

يوم يصافح البخور الدرناوي والهوني والعربي ثياب الحاضرين،
فينزع خبث القلوب ويجدد ميثاق العهود في الحب والتعايش.»

ولم يقتصر الوضع على التضليل الشكلي، بل تمادى إلى المساس بموروث يعد إحدى أهم ركائز الهوية في بلد تأسست على أيدي الصالحين ممن كانوا أكثر منهم علمًا وتواضعًا، وكما هو الحال من كل عام منذ مطلع 2011 يتكرر الجدل حول بعض الأمور التي قتلت بحثًا وفصل فيها منذ زمن بعيد في هذه البلاد مثل «الزكاة، والمولد النبوي الشريف»، حيث تعد الأخيرة هي الأكثر عرضة للنيران، لكنها نيران غير صديقة!

فرغم أنها من أجمل المناسبات لدى سائر العائلات الليبية، بما يمثله ذلك اليوم من كونه يوم سلام وحب بامتياز. يوم العصيدة والرشتة والخميسة والحناء والشموع وحلوى الزاوية والبخور والمدائح لسيدنا النبي، يوم تطوف فيه الزوايا شوارع المدينة شارعاً شارعاً، يشارك فيها الكبير والصغير يوم «مية الزهر» تمطر على رؤوس الحضور، يوم يصافح البخور الدرناوي والهوني والعربي ثياب الحاضرين، فينزع خبث القلوب ويجدد ميثاق العهود في الحب والتعايش.

عن نفسي أنا وعائلتي أحتفل دائمًا بهذا اليوم ونشعل الشموع والقناديل ونعيش ساعات المرح الاستثنائية في يوم من أجمل أيام السنة، فأنا بنت تلك الزوايا والطقوس المسالمة التي تعانق مسامعك بصوت البندير والموسيقى وليس صوت الرصاص أو صوت الترهيب والتحريم المبالغ فيه. أنا بنت تلك الزوايا والطقوس التي تستقبل يومك برائحة البخور عوضاً عن رائحة الدماء.
لذا علينا أن نحافظ عليها حتى لا يأتي يوم يكونون فيه هم.. وهم فقط!

كما يجب أن نتخلص من روح التبعية السائدة لدينا، التي كانت ومازالت حتى هذه اللحظة سببًا رئيسيًّا في تعثر البلاد، ووأد كل المحاولات في بناء دولة ذات سيادة تحترم موروثها وتحترم شعوبها.