Atwasat

قرنٌ من حربٍ كبرى لم تنتهِ بعد!

أحمد الفيتوري الأربعاء 14 نوفمبر 2018, 01:22 مساء
أحمد الفيتوري

1-
لا تصدق ما تسمع وأحيانا لا تصدق ما ترى، فالأخبار اُخترعت كي توصل لك رسالة ما، بالتحديد في عصر الصحافة التي تكاليفها باهظة ولهذا ليس ثمة درويش يبيعك بضاعته صدقة لله، الثمن أن تكون متلقيا لرسالته والأفضل أن تصدقها، وأن تكون كشعراء القرآن الكريم الذين في كل واد يهيمون.

لأجل أن تبرر الحروب اخترعت الأكاذيب الكبرى التي لا يصدقها إلا الدراويش من مهمة الإعلامي جعله كذلك، وقد كان الشعراء في الأزمنة الغابرة إعلاميي عصرهم، صدق أو لا تصدق أن حرب البسوس ما دامت لأربعين حولا سببها جرح ضرع ناقة امرأة ضيفة، وعليه فالحرب الأوربية الكبرى الأولى سببها اغتيال ولي عهد في بلاد البلقان التي منها تم تخريج اصطلاح البلقنة. وزد على ذلك ففي عصر الراديو، يتنازل عن العرش ملك، للإمبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، عند بزوغ الحرب الأوربية الكبرى الثانية، لأن الملك عشق امرأة من الشعب ومن بلاد أخرى. صدق أو لا تصدق هو شعار الحروب في كل زمان وفي كل مكان.

الحروب الصناعة البشرية الكبرى لصناعة الدول والإمبراطوريات تقوم لأجل عيون امرأة عمشاء! هذه مهمة الإعلام في عصر الميديا أن ترى ما يُراد لك أن ترى، فالحرب الأوربية حرب عالمية وهي الحرب العالمية الأولى لأنهم خاضوا أيضا حربا ثانية، ولكن الحقيقة الكبرى التي تقريبا لا جدال فيها، أن البشرية لأول مرة تعرف الحروب الكبرى ليسيطر الأوربيون على مصير العالم، واخترعوا سبل دمار لم يتخيلها بشر، وعليه ظهرت جائزة نوبل يمنحونها لمن شاؤوا فيما شاؤوا.. والحرب كبرى وأولى لأن الأوربيين تنافسوا من أجل السيطرة على العالم بوسائل مذهلة، وقد نحت ميكافيلي لهم إنجيل عصرهم الذي فيه الغاية تبرر الوسيلة، ومن هذا الإنجيل تجسدت روح الإمبريالية الأوربية فالأمريكية الشمالية. وهكذا من نافلة القول أنه منذ الحرب الكبرى الأولي وأوربا ومن بعد التحقت الولايات المتحدة الأمريكية تسيطر على العالم ما بلقنته، ومنه كل حرب كبرى ثانية أو باردة أو ثالثة متصورة وكل الحروب الصغيرة باتت تحت كنترول الدول الكبرى صنيعة الحروب الكبرى الأولى فربيبتها الثانية.

الحرب الكبرى الأولى قابلة الوليد الأوروأمريكي ما سيطر على مقدرات الكون بعد السيطرة على العالم، فقط للتوضيح حرب النجوم التي أطلق تسميتها الرئيس الأمريكي الممثل ريغان هي مؤشر للسيطرة على الكون التي علامتها الكلبة لايكة السوفيتية، أما السيطرة على العالم فقد خاضتها أوروبا في حربها الكبرى الأولى وتابعتها الثانية توكيد للمسار الأول، ففي الحربين حاولت ألمانيا أن تكون دولة بحار في تنافس حربي وهي البلاد الداخلية، وفي الحربين نجحت إمبريالية البحار بريطانيا ثم ورثتها صنيعتها أمريكا.

2-
يحتفلون اليوم في باريس بقرن عن نهاية الحرب الكبرى الأولى التي منذها وأوروبا مع ملحقها أمريكا تهيمن على العالم، يحتفلون بضراوة عن نهاية حربهم الأولى وبدء سيطرتهم على العالم ما زادت ولم تنته بعد، يحتفل سادة العالم ومعهم رؤساء لدول استعمروها وخرطوها ووضعوا حدودها فأمست دولا برؤساء فلكلور يشاركون السادة الكبار احتفالهم.

هكذا هذا العالم التعيس الذي نعيش، وجه قبوله حرب كبرى اندلعت في أوروبا لمقتل أمير شاب! والآن قرن مضى عن تلكم الكبرى فهل حقا خرج العالم ولم يعد، الحرب الكبرى الثانية تفجرت بعيد عقدين ومن ولد في نهاية الأولى التهمته الثانية، وعمره عقدان من الزمان الأوربي زمن الحروب الكبرى التي تحولت بقدرة قادر لحرب باردة فحرب ضد الإرهاب.

سيطرة أوربا على العالم ما قلادتها اغتيال أمير شاب باهظة الثمن وحين يحتفلون بقرنها الأول يخوضون حروبا بدعوى الإرهاب والهجرة وما توفر من مسميات، لهذا أوربا – ومولودها أمريكا فرانكشتاين العصر- عالقة في حربها الكبرى الأولى، ولم يُجّدِها نوبل للسلام نفعا، ولم يُجْدِها أن المسألة التي تؤرقها المسألة اليهودية حولتها إلى المسألة الشرقية المزمنة، فطرد مواطن من وطنه بمزاعم عودة اليهودي التائه إلى وكره إسرائيل ما لم تُجْدِها نفعا في تخطي الحرب الكبرى، فقط زحزحة المسألة وعلّ حربها الكبرى الحالية ما تدعى الحرب ضد الإرهاب هي من نواتج الكبرى الأولى، أول ما جعلت المسألة اليهودية تطفو كطفح على جلد أوربا، ما كانت تخوض الحرب الكبرى الأولى للسيطرة على مقدرات العالم لتصنع حضارتها ما توجت في الحرب الكبرى الثانية بتاج نووي ودولة دينية.
احتفال اليوم يعلق الجرس في رقبة التاريخ: إن الحرب الكبرى الأولى لم تنته بعد رغم مرور قرن.