Atwasat

الله غالب

صالح الحاراتي الإثنين 12 نوفمبر 2018, 10:12 صباحا
صالح الحاراتي

هناك منحى درجنا وتعودنا الذهاب إليه هروبا من تحمل مسؤولياتنا، وذلك الدرب يتعلق بعودتنا المتكررة لدائرتنا المفرغة التي محيطها متشبع تاريخيا بمقولة خضوع مغلفة برداء ديني، بينما يبقى بعدها كل شيءعلى حاله، إنها العبارة التي نختصر بها كل التوصيف لأي إخفاق:

"الله غالب".

"الله غالب" هذه مفردة تستحق التأمل، لأنها مكون مهم في نمط تفكيرنا وحياتنا، ساهمت في انتشار الكسل العقلي والجسدي عن القيام بمواجهة صعاب الحياة بدل الاستسلام والركون إلى الغيب وتحميله عبء تخاذلنا.

هذا اللفظ يستخدم بكثافة في مجتمعنا عند الشعور بالعجز وقلة الحيلة وانعدام الحلول، وهو في حقيقته رأي يصدر عن عقول تتغافل عن تحديد دور الإنسان ومسؤوليته في تغيير واقعه، ونلقي بالمسؤولية في اتكالية ظاهرة عن كاهلنا، بالرغم من النفاق الذي تتعالى أصوات البعض به وهي تتغنى وتردد "إذا الشعب يوما أراد الحياة فلابد أن يستجيب القدر"، والتي يتم ترديدها وتلوكها الأفواه في غياب حقيقي للمعنى وجوهر المقصد. إذ سريعا نعود إلى استدعاء مقولة "الله غالب" هروبا من عجزنا وتقاعسنا عن القيام بدورنا.

والسؤال: لماذا؟ وما أصل"الله غالب"هذه؟

هل هو جري على عادتنا في استخدام الشعارات التعميمية والفضفاضة دون تفاصيل!

هل هو الإيمان في أعماقنا بالجبرية دون الإقرار بذلك، وهل "الله غالب" تعني غياب الإرادة الإنسانية بالمطلق في مقابل الإرادة الإلهية!؟

هل هي مسألة راسخة في العقول باعتبارها من لوازم الإيمان؟ وهل نحن في حاجة حقيقية لمن يقول لنا إن بعض ذلك المتوهم بأنه مقدس(الجبرية) ليس بحقيقي وأن كثيرا من النصوص تستحق قراءة جديدة تكشف لنا معاني ومفاهيم جديدة حتى نعبر إلى سعة أرادها الخالق وضيقها المخلوق!؟
فى ظني أن"الله غالب هذه" تعني وقوف الإنسان في مكانه بانتظار ما هو قادم نحوه لا يغيره أو يبدله وإنما يستقبله مثل الذي ينتظر السماء أن تمطر ذهبا وفضة!!

وموروثنا ممتليء بفكرة "الله غالب" التبريرية ومستسلم لها، وبعبارة مختصرة هناك أمر غائر في أعماقنا تعارفنا على صحته هو أن "المكتوب ع الجبين ........إلخ" بينما الحقيقة والواجب هو أن الإنسان مسؤول عن تغيير واقعه.
"الله غالب" متى قصد به وصف الله بالغلبة والقدرة، فقد وصف الله بما هو أهله، أما إن قصد به الاحتجاج لنفسه عند التقصير فهو من الاحتجاج بالقدر، والقدر إنما يحتج به على المصائب لا المعائب.

قبل أن ننتهي من كتابة هذه السطور وفى اتصال مع صديق عزيز تحدثنا عن الحال العام وبعد جولة على مشاكلنا ومثالبنا كمجتمع ناشيء وما نعانيه من نماذج بشرية تحتاج للكثير حتى تتغير ما تحتويه العقول من ثقافة سائدة؛ قلت وقال في نفس واحد "الله غالب".