Atwasat

في انتظار كسر جدار الصمت

جمعة بوكليب الإثنين 12 نوفمبر 2018, 10:08 صباحا
جمعة بوكليب

علاقتي الشخصية بوسائل التواصل الاجتماعي لم تكن علاقة حب من أول نظرة كما هي لدى البعض، لكنها تدرجت في النمو ببطء: اتسمت أولاً بشيء من خوف ناشيء عن جهل بالتقنية الحديثة وثانيا بشيء من حذر يتسم به كبار السن أمثالي اكتسبوه من تجاربهم في التعامل مع ما هو غريب وجديد.

وبالتأكيد مع مرور الوقت توثقت العلاقة شيئا فشيئا وانكمش الخوف من التقنية بعد فترة، لكن حذري في التعامل مع ما ينشر ويذاع ويبث من أخبار تزايد بعد عدة مقالب أكلتها نيئة بدون مضغ، وتعلمت منها دروسا مفيدة. أول هذه الدروس المفيدة هي اختيار صفحات لأشخاص أو مواقع لجهات إعلامية تحظى بسمعة طيبة وبمصداقية.

اخترت أن أبدأ مقالتي بهذة المقدمة التوضيحية مضطراً لأني تابعت بكثير من الاهتمام قضية التلاعب بالأموال الليبية في مصارف بلجيكية وأردت أن أدلي برأي شخصي فيها بناء على ما أطلعت عليه في مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي من تقاريرإعلامية وتعليقات وآراء من مصادر صحفية أثق بها وثبتت مصداقيتها.

حينما بدأ موج اللمز والغمز يطفو على مياه بحر مواقع التواصل الاجتماعي بشأن التلاعب في الأموال الليبية المجمدة بقرار من الأمم المتحدة في مصارف بلجيكية، ثم فجأة انفجر كقنبلة موقوتة على شكل اتهام واضح وصريح ضد الجهات المصرفية الليبية المؤتمنة على رصد ومراقبة هذه الأموال واستخدامها لتلك الأموال في تمويل شراء أسلحة لصالح أطراف في الساحة الليبية، سارعت مؤسسة الاستثمار مشكورة بإصدار بيان كذبت فيه ما يروج من أخبار وصفتها بأنها عارية عن الصحة، ومؤكدة لنا نحن الليبيين أن أموالنا المجمدة في مصارف بلجيكا مصونة وفي أيادي أمينة.

هذا يعني أن حكاية التعدي على تلك الأموال لا تتجاوز أن تكون حكاية أخرى من الحكايات المفبركة التي تصل إلينا يومياً كدجاج مفرخ صناعياً من بعض مواقع وصفحات التواصل الاجتماعي لأغراض سياسية، ووصل الأمر نهايته المتوقعة بتصدي الجهة المعنية له وإصدارها بيانا بتاريخ معلوم وموقّع من قبل شخص مهني ذي صفة اعتبارية ومسؤول ومختوم بختم رسمي.

المفترض فينا نحن المتابعين غلق هذا الملف كلية بسرعة والانشغال بأمور أخرى. لكن الحكاية واصلت بعناد طفوها وكأنها تطلب منا عدم صرف انتباهنا عن تفاصيلها بعد أن أبانت لنا في جزء آخر منها أن التلاعب المقصود لم يتعرض للأموال المجمدة ولكن لفوائد تلك الأموال والتي اتضح أن قرار التجميد الأممي لا يطالها.

بمجرد اتضاح هذه الحقيقة غرقت بلجيكا - حكومة وبرلمانا وإعلاما - في دوامة جدل سياسي تطايرت خلاله التصريحات والتصريحات المضادة وتبودلت الاتهامات وكأن االقضية مشكلة بلجيكية داخلية، كما علق متعجباً الصحفي بشير زعبيه في أحد تدويناته الفيسبوكية، ومنزعجاً من التجاء الجهات الليبية المعنية للانزواء بعيداً وراء جدار من صمت مطبق.

فالمؤسسة الليبية المالية المؤتمنة على تلك الأموال ومن يتولى إدارتها والإشراف عليها والمسؤول الأول قانونياً التزمت حرفياً، بعد إصدارها البيان سالف الذكر، بتطبيق المثل الذي يؤكد على أن "السكوت من ذهب"، وعادت لتصريف شؤونها المعتادة في الإشراف المالي على تطوير استثمار الأموال الليبية في المصارف الخارجية الأجنبية، لأن هذا ما يهمها ويعنيها وهي لهذا الغرض تحديداً تأسست وليس لغرض آخر!.

ويبدو أن الذهب الذي يأتي به التزام السكوت شديد الإغراء بدليل أننا نعيش في بلد بمصرفين مركزيين وبحكومتين وبمجلس نواب وبمجلس دولة ولم يصدر عن أي جهة منهم حتى هذه اللحظة - وبعد أن اعترفت بلجيكا رسميا بالتصرف في فوائد تلك الأموال - بيان أو تصريح أو حتى نأمة يوضح للناس موقفهم مما حدث والتدابير التي من الممكن اتخاذها رسميا ضد المتورطين أو ما يمكن فعله لاسترداد تلك الأموال، وفي حالة استحالة ذلك كيف يمكن مستقبلا حماية الأموال الليبية المجمدة في مصارف أجنبية ...إلخ.

المؤسف في هذه القضية هو أن جهة مالية ليبية رسمية مكلفة بحماية تلك الأموال متورطة عن سبق إصرار وترصد في التزام صمت مريب إلى حد الآن في قضية تلاعب مالي قد تكون له نتائج وخيمة قانونياً دون أن تتقدم بأدلة موثقة تفند تصريحات المسؤولين البلجيكيين من جهة وتؤكد من جهة أخرى على عدم تورطها كمؤسسة مالية حكومية ليبية في القيام بأي أعمال مخالفة للقوانين قد تفقدها مصداقيتها أو تسيء لسمعة مسؤوليها والعاملين بها.
فهل من رد أو إجابة أوتفسير؟