Atwasat

الآباء المؤسسون والأبناء العابثون (الرداء لا يصنع الراهب)

أبو القاسم قزيط الأربعاء 07 نوفمبر 2018, 10:09 صباحا
أبو القاسم قزيط

نحن العرب لدينا نزعة لا تريم في الحنين للماضي، لأن أجمل أيام حضارتنا كانت في ماضي سحيق يعد بمئات السنين، لذلك فنحن شعوب ماضوية ننكب على الماضي في محاولة يائسة لاستشراف مستقبل مغاير ومتغير. حتى وإن كانت نزعة النكوص المفرطة للعرب نحو الماضي هي نتيجة الصعوبات الجمة والإحباطات المؤلمة في الحاضر التي تشتغل تحت وطأتها آلية النكوص للماضي السعيد والتليد حتى تخدر الوعي وتخفف من آلام الحاضر المبرحة. الحنين إلى الماضي هي طبيعة بشرية في طورها المعتدل، وما لا يمكن استعادته، يلفه الزمن بالمهابة ويجلله بقوس قزح.

لدى علماء الاستراتيجية والجيبولوليتيك ليبيا ليست دولة مركزية راسخة في المنطقة، هذا في مدى عشرات السنين، وعندك الكلام عن مئات السنين تبدو أغلب الدول في طور إعادة التشكل.

ليبيا اليوم تمر بطور إعادة التشكل وهي تشبه حالة الأربعينات من القرن الماضي، فربما يجد القطار الليبي سكة الوحدة الوطنية، لكن أيضا يمكن أن لا تكون ليبيا واحدة، ويتغير شكل الدولة، الإيمان بأن ليبيا مصيرها أن تعود كما كانت دون جهد أبنائها هو نوع من التفاؤل السادج.

في أربعينات القرن الماضي كان جزءا من ليبيا تحت قوات المحور، والجزء الآخر رزح تحت قوات الحلفاء، وجرت بعض من أشرس فصول الحرب العالمية الثانية على الأرض الليبية، وكانت هناك بعض القامات الوطنية التي قادت باقتدار المطالبة بالاستقلال ووحدة الأراضي الليبية، وقدمت سلسلة من التفاهمات والتنازلات لأجل المصلحة الوطنية في توقيت شديد الصعوبة، واستطاعت انتزاع الاستقلال وبناء الدولة الوطنية بخطوات واثقة ورصينة ، بل إن الآباء المؤسسين استطاعوا سبق أغلب البلاد العربية وكل بلاد المغرب العربي في نيل الاستقلال، وكانت ليبيا في السنوات الأولى من العهد الملكي بلدا شديد التنظيم يستلهم نظم الإدارة البريطانية، كانت الأحلام بعظمة الوطن قبل إجهاض الحلم في 1969.

لا يمكن أن نتجادل كثيرا في من هم الآباء المؤسسون. لكننا قطعا سنتفق على أن الملك الصالح إدريس السنوسي والزعيم بشير السعداوي، ورئيس الوزراء محمود المنتصر هم في طليعة هؤلاء الآباء الذين يجب أن يخلد دكرهم.
لأنه من الواضح أن الأبناء العابثين لم يعوا جيدا درس الآباء.

الأبناء العابثون وجدوا بلدا متحدا، حدث فيه تغيير كبير يستلهم دولة الاستقلال وينشد مسارا ديمقراطيا، وكانت كل أوراق اللعبة عند الليبين تقريبا عشية الإطاحة بالنظام السابق، بحمق منقطع النظير دخلوا في صراعات لا مبرر لها، حتى أصبح موضوع الانتخابات الليبية محور سجال بين كونتي وميكرون، وكأنها كورسيكا في غابر الأزمان. ثروات نفطية وأصول وأرصدة ضخمة في الخارج، سبع سنوات عجاف برزت وجوه ليست كأسلافها، لم نحس فيهم حكمة وصلاح الملك الصالح، ولم تكن خصال السعداوي في الإيثار والتضحية الجمة ملهمة لأحد، ولم نرَ في وسط غابة ربطات العنق تكنوقراطا عتيدا كالمرحوم طيب الذكر محمود المنتصر. لم نسمع منهم من يقولها صادقة أحبك يا شعبكما صدح بها الجار القريب فرحات حشاد.

الجنوب مستباح من شذاذ الآفاق، والشرق يخاصم الغرب، والغرب الطرابلسي تتقلص حكومته ليس في العاصمة فقط، بل تكاد تكون تكية لأولاد شارعنا، يركبون الطائرات الخاصة يلبسون البدل الإيطالية ويجالسون سيد البيت الأبيض وسيد الإليزيه، وتنقل تصريحاتهم وتحركاتهم وسفراتهم عشرات القنوات الفضائية، هم أيضا صار لهم أزلام أسوة بالعقيد الراحل ، يخاطبوهم أتباعهم السيد الرئيس فخامة الرئيس، ولكن كما يقول شكسبير الرداء لايصنع الراهب.