Atwasat

المؤتمرات التي لا تنتهي مفسدة أيضا!

أحمد الفيتوري الأربعاء 07 نوفمبر 2018, 10:04 صباحا
أحمد الفيتوري

1-
شهيرة نكتة أن أي قضية لا تريد لها حلا كون لجنة ولهذه اللجنة التي لم تنجز مهمتها كون لجنة تحقيق، ولما لجنة التحقيق لا تنجز هي أيضا المهمة المكلفة بها كون لجنة تحقيق مع لجنة التحقيق الأولى، هكذا تتناسل اللجان ولكل لجنة مكافآت ومبالغ أتعاب سفر وللوقت الإضافي وهلم جر، ولا يتم إيقاف هذا النزيف من مال وجهد ووقت حتى التوكد والتحقق من التقصير لإعطاء كل ذي حق حقه، فتتناسل اللجان والمهام بكل حرص قانوني، وتحت شعارات ما أنزل الله بها من سلطان مثل مهام وطنية الكلمة التي ابتذلت وباتت مفردة تبرر كل شيء حتى اتهام الخصم بالخيانة.

هذه اللجان البضاعة المحلية الصنع أنتج على شاكلتها بضاعة إقليمية تختص بشركاء الجوار ومن في حكم الشريك، وبالنسبة للدول أنتجت بضاعة خاصة كصناعة دولية للقضايا الشائكة وتصدرت لهكذا مهمة الأمم المتحدة ومنظماتها المختصة، فتكون اللجان ويتصدرها مبعوث وتعقد المؤتمرات التي كما أبار النفط تدر الذهب الأسود. في كل حال الذي ينزف بالدم والجهد والوقت والمال هم المغلوبون على أمرهم الأفراد والجماعات والشعوب.

وكما أن كلا بما لديهم فرحون فإن حرص الأفراد في اللجان على ناقة الله التي تدر الحليب ما لا يتوقف فإن المبعوثين الدوليين ومن في حكمهم حريصون أيضا على أن تطول مهمتهم وأن تعقد لها المؤتمرات المتتالية، وحيث تعقد هذه المؤتمرات في غالب الأحوال يحرص المضيف أن تكون الضيافة في أحسن وجه ولذا يحشد لمضيفته أفضل ما يظن من وجوه، فالنجاح في الحشد دليل نفوذ وإن لم تنجح المهمة فإنها لم تفشل لأنها نجحت من حيث إظهار النفوذ ما هو ليس أقل من المصلحة بل هو السدة.

وللأسف كثيرا ما يغيب عمن عقد من أجلهم المؤتمر هذه الحقيقة الرئيسة بركام من تفاصيل، كالخرشوف الكثير الورق والقليل الحلاوة. ومما يعنيه هذا أن عقد المؤتمرات كتشكيل اللجان هو لتوزيع الهدايا، وإتاحة اللقاءات أحيانا حول قضايا ليست ذات علاقة البتة بما عقد من أجله المؤتمر ما هو ناقة الله وسقياها...

2-
سيحتاج أي باحث أو مهتم بالشأن الليبي إلى جهد ووقت ومال ليعرف كم عقد من مؤتمرات حول المسألة الليبية، ويتوكد بعد مضيعة أن ما فعل تقشير بصل ما لا لب له.
منذ نهاية عام 2011م وغب ثورة فبراير وحتى قيام الساعة تم حشد مؤتمرات جلها عقد خارج ليبيا، وتمكنت نفس الوجوه الليبية ذات النوعية التي أنتج القذافي من حضور جلّ هذه المؤتمرات، ومن حضر من الأشقاء والأصدقاء من دول العالم المؤتمر الأول لم يغب أبدا عن أي مؤتمر، معللا ذلكم بالحرص على مصالح الشعب الليبي الشقيق أو الصديق!، وفيها مضغ الماء وأعيد لوك اللبان المستعمل ما تم لوكه في اللقاء الأول.

ورغم هذا وذاك فإن أبناء الصحراء الخبراء بالصحراء كثيرا ما خدعوا بالسراب، ليس ذلك لأن السراب متمرس في الخديعة بل لأن العطشان يقتات بهكذا خديعة، فيقوي النفس بالحلم علّ ينبثق بئر في القريب.
السياسة كما الأدب ابنة الخيال كما أنها ابن الحساب والشعوب الغريقة في الوحل تعرف أن ليس كل ما يبرق ذهبا، ولهذا تراهن المرة تلو المرة نفس الرهان لأن ليس لديها ما تخسر، ومن هذا التعلل فإن المؤتمرات تستمد روح الديمومة في الانعقاد، خاصة وأن المتمرسين من الليبيين يعرفون وعاشوا تراجيديا مماثلة للتراجيديا الليبية عند شعوب أخر إن لم يكن اليوم فبالأمس القريب.

يظن الكثيرون من الدول الكبرى وما شابه ومن تجار الحروب بسذاجة وقصر نظر الدول الصغرى وبعض الظن إثم، ويفوت على هؤلاء وأولئك أن ليس لقصر اليد علاقة بقصر النظر، وأن ما يمر بالليبيين مثلا مرّ بهم وأن الليبيين استفادوا كثيرا من تجارب من سبقهم بالذهاب في الغي، أما ما يخص أبناءهم من يتاجرون بهم في كل محفل فهم كما غيرهم من قضايا القضية الليبية العادلة محرقتهم، وهذا ليس أماني الغريق أو أضغاث أحلامه فليبيا منذ ثورة فبراير حذفت الكثير ممن يشبههم، حتى أنهم أمسوا نسيا منسيا. أخيرا فإن الإنسانية لم تصور العدالة بأعين عمياء عبثا.