Atwasat

علاقة الماضي بالحاضر

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 04 نوفمبر 2018, 10:01 صباحا
عمر أبو القاسم الككلي

يقول مثل هندي «ما يرضعه العجل، هو ما كانت قد أكلته البقرة!». هذا يعني أن ماضي البقرة هو ما يحدد حاضر العجل ويكون بنيانه.

إذن، فالماضي ماثل في الحاضر، والحاضر ما هو إلا الوليد الجيني للماضي، سواء على الصعيد الفردي، أو الصعيد الجماعي. صعيد الأشخاص فرادى، أو صعيد الشعوب.

ففي التاريخ الطبيعي، حدد عصر الجفاف العظيم وضع ليبيا، الطبيعي والبشري، الحالي. الحضور الفينيقي في غرب ليبيا والإغريقي في شرقها، ثم سيطرة الرومان على كامل البسيطة المعروفة بليبيا الآن، أسهم في صياغة الوضع الليبي الحالي، ثم قدوم العرب المسلمين والأسبان والعثمانيين مازالت آثاره حاضرة في الوضع الراهن لهذا القطر.

لكن العامل الأكثر تحديدا لمصيره هو الغزو الإيطالي لليبيا واضطرار الآلاف من سكانها إلى النزوح إلى البلدان المجاورة، ثم عودة غالبيتهم إلى أرض الوطن بعد إعلان الدولة الليبية المستقلة سنة 1952، الذين يسميهم، بنية تحقيرية، الليبيون الذين لم يضطروا، لأسباب مختلفة إلى النزوح، "عائدون".

في أغنية لفرقة البيتلز المشهورة عنوانها "الأمس Yesterday" يرد "بالأمس، بدا كما لو أن كل متاعبي غبرت. الآن تبدو كما لو أنها جاءت لتقيم هنا

Yesterday, all my troubles seemed so far away
Now it looks as though they're here to stay"

*

عادة ما يقسم الزمن إلى ماض وحاضر ومستقبل. والحقيقة أنه لا يوجد، فعليا، سوى زمن واحد: هو الحاضر (المضارع).

فما نسميه الزمن الماضي هو "حاضر" عشناه وخلفناه وراءنا. لكنه يشكل حاضرنا الذي نعيشه. وهذا الحاضر هو مجرد لحظة، ما تأتي إلا لتصبح وراءنا. تتلاشى. أما المستقبل فهو زمن وهمي لا وجود واقعيا له.

يوجد تعبير إنغليزي يقول: الغد لا يأتي أبدا! (.(Tomorrow never comes لأن الغد حين يأتي سيصبح اليوم. المستقبل حين يأتي سيصبح الحاضر والحاضر يمضي خلفنا. المستقبل مثل خط الأفق، دائما يظل محافظا على نفس المسافة منا.

فتيار الزمن يأتي متدفقا نحونا ليتجاوزنا ويمضي خلفنا. ليصير وراءنا. هذا يعني أننا نسير عكس اتجاه الزمن.

لكن هذا الزمن الذي استدبرنا واستبرناه يترك لنا ميراثا.

من كوننا نتاج هذا الميراث تصدر أهمية كتابة التاريخ، والسير الذاتية والمذكرت واليوميات، والسير.