Atwasat

قفل الفضاء العمومي واستراتيجية البحث عن العفريت (فولتير ليس من بني جلدتنا)

أبو القاسم قزيط الثلاثاء 30 أكتوبر 2018, 12:03 مساء
أبو القاسم قزيط

لتشكيل الرأي العام لابد للنخب السياسية والفكرية من التواصل مع الشارع سواء بالحضور المباشر للمحافل والملتقيات والندوات وكافة النشاطات ذات الطابع الحماهيري، أو من خلال وسائل الإعلام التقليدية المختلفة، أو الفضاء الافتراضي، لكن حالة الاستقطاب السياسي الشديد قلصت هامش حرية الرأي بشكل كبير.

فالفضاء الواقعي قفل أمام صناع الرأي لأن الفضاء الواقعي لم يعد هناك أي دور فيه للقوة الناعمة. قوة الفكر والكلمة. لأنه أصبح مدججا بالسلاح، فضلا عن العدوان اللفظي أو حتى الجسدي على كل من له رأي مخالف لرأي القطيع أو رأي حامل البندقية.

أما الفضاء الافتراصي فقفل أيضا بفعل مايعرف بالدباب الإلكتروني، فأي موقف أو كلمة لا تعجب مسيري الدباب تكلفك هجمات شعواء للحط من قدرك وتلفيق الإشاعات والإفك التي تقول بكفرك وفسقك وفسادك، وتطال الحملات بالتشويه حتى جدك العاشر.
أما الفضاء الإعلامي فقفل بفعل ما أسماه الأديب المصري علاء الاسواني بإعلام البط، وهو شن حملات في وسائل الإعلام عليك وتجريمك وتخوينك في نظر الناس، وهي بمثابة هدر لدمك قبل كرامتك في مجتمع متخم بالسلاح والإفلات من العقاب، حتى يصبح إسمك ولقبك الشخصي عبأً على الأقارب والأصدقاء، ويتحول الضغط من عليك كشخص إلى كل محيطك القريب ومحبيك، حتى تبتلع لسانك وتغادر الفضاء العمومي.

فموضوعات مثل فبراير.. الجيش.. النظام السابق.. ورأس المجلس الرئاسي، هي مواضيع حساسة باختلاف المدن الليبية. ففي بعض المدن أي نقد مهما كان موضوعيا لفبراير هو خيانة لاتغتفر. ومدن أخرى أي نقد لسبتمبر لا يغفر مهما كان محتشما، في عاصمة البلاد أي حراك يمكن أن يطال المجلس الرئاسي غير مسموح به، ويقفل في وجهه الفضاء العمومي ولن تحصل على صالة في فندق لو فكرت أو قلت أن رأس الرئاسي يجب أن يتغير. في شطر آخر من البلد عدم تأييد الجيش هو مثل هرطقة المهرطقين في منطق كنيسة العصور الوسطى.

متطق البحث عن العفريت الدي تمارسه القوى السياسية ودبابها الالكتروني وهو محاولة اقتناص أي كلمة يمكن ن. تؤول إلى اغتيال الشخصية. كلمة واحدة يمكن تأويلها أو إخراجها من سياقها كافية لاغتيال الشخصية. وإذا لم تنجز المهمة بالكلمة الواحدة فرصاصة واحدة كفيلة بإخراجه، ليس من الفضاء السياسي والعام، بل ومن الوجود برمته.

القوى الفاشية التي تسكن بيننا وتري في كل مختلف بروتس الخائن، هي قوى ظلامية تعطل حركة المجتمع وتطوره الديمقراطي الطبيعي. أي تطور أو تقدم مأمول لمجتمعنا لن يتحقق في أجواء الترهيب هذه. دون حرية لا يوجد تقدم ودون تنوير لا معنى للحرية أصلا. لكن علينا أن نكافح طويلا في مجتمعاتنا الأبوية حتى نتخلص من الوصاية على الفكر وحرية الرأي.

الفيلسوف فولتير يقول قد أختلف معك في الرأي ولكني مستعد أن أدفع حياتي ثمنا لحقك في التعبير عن رأيك.. لكن فولتير ليس من بني جلدتنا ولايسكن مضارب قبيلتنا.