Atwasat

سيرة كاتب تفوق على نفسه

محمد عقيلة العمامي الإثنين 22 أكتوبر 2018, 11:11 صباحا
محمد عقيلة العمامي

من كتاب "روائع المقال" الذي تناولنا نماذجَ منه، مقال لكاتب اسمه تشارلز لام عنوانه: العبقرية الحقة وسلامة العقل، انتقد فيه الرأي الذي يربط العبقرية بالجنون، مدللا على أن العباقرة هم أسلم الناس عقلا. أعترف أنه ما شدني للكاتب ليس المقال ولكن ما كتبه عن نفسه في مقال آخر وجهه إلى الأجيال القادمة، فجعله في نظر معاصريه خير من كتب سيرة لحياته، بالإضافة مثلما قالوا أنه: "أحلى وأعقل وأكثر كتاب النثر الإنجليزي إنسانية ". لم يضيفوا شيئا إلى "سيرته" التي لخصها مثلما قلنا في مقال سوى أنه اعتني بأخته، التي قتلت أمها في نوبة جنون، لمدة ثمانية وثلاثين عاما دون كلل أو ملل.

وأعترف أيضا أنني أخذت بترجمة نص ذلك المقال الذي كان بمثابة سيرة لحياته وثّقه بصيغة ضمير الغائب فكان، بالنسبة لي، قمة في السرد والاختصار، فلم يمّل ولم يكل، فليس ثمة سيرة ذاتية، فيما أعرف، لكاتب ما لم يطنب فيها، ويسهب ويكرر، بما فيها شبه السيرة الذاتية التي أكتبها من خلال (قهوة سي عقيلة)، سوى سيرة طه حسين: الأيام. التي كتبت، أيضا، بضمير الغائب، إليكم السيرة مثلما وردت بالنص:

"تشارلز لام، ولد في أينر تمبل في 10 فبراير1775 وتعلم في مدرسة كريستس هوسبتال. اشتغل بعد ذلك كاتبا في قسم الحسابات في شركة ايست انديا هوس وأحيل على المعاش عام 1825، بعد خدمة ثلاثة وثلاثين عاما. وأصبح بعد ذلك رجلا حرا. وهو لا يذكر شيئا ذا قيمة يستحق الذكر في حياته، فيما عدا أنه أمسك مرة بعصفور وهو يطير. وهو أقل طولا من المتوسط. ملامح وجهه فيها بعض الشبهة باليهود، وإن كانت ديانته في ظاهرها لا تمت بصلة إليهم. وهو يتأتئ بفظاعة، ولذلك يميل إلى أن يحمل حديثه – في المناسبات التي تعرض له بين الحين والحين- بمثل غريب أو نكتة تافهة، بدلا من كلام محدد المعاني فيه غذاء للروح أو تهذيب الخلق. ونتيجة لذلك ألصقت به تهمة استهداف سرعة البديهة دائما، ولقد أجاب رجلا -ثقيل الظل- وجه إليه هذه التهمة، بأن هذا يتساوى على الأقل باستهداف الإنسان لثقل الظل. وهو مقل في أكله – ولا يتعاطى الخمر، وإن كان يعترف بميله إلى شراب توت تبغ(جنيبر).

ولقد كان في يوم من الأيام مدخناً نهما للتبغ، ولكنه أصبح بعد ذلك كالبركان الذي خبت ناره، وتنبعث من فوهته نفثة من الدخان بين الحين والحين. وهو مذنب في إقحامه على الناس قصة نثرية، تسمى: "روزاموند جراي"، واسكتشا دراميا يسمى: "جون وودفيل" و "قصيدة وداع للتبغ" ومقطوعات شعرية أخرى مختلفة، ومادة خفيفة من النثر جمعها في جزئين نحيلين من حجم " كراون اكتافو" -12X 15- وأطلق عليهما في تعاظم اسم " أعماله " بينما لم يكونا في الحقيقة إلاّ ترويحا عن نفسه في أوقات فراغه. أما أعماله الحقيقية فيمكن رؤيتها على الرفوف في شارع ليدنهول وهي تملأ قرابة مئة صفحة من القطع الكبير. وهو كذلك إيليا الحقيقي الذي جمعت مقالاته في كتاب صغير نشر منذ عام أو عامين، وهو أكثر شهرة تحت ذلك الإسم الذي لا معنى له، من شهر ته بسبب أي شيء كتبه أو يرجو أن يكتبه تحت اسمه الحقيقي. ولقد كان أول من لفت انتباه الجمهور إلى الكتاب المسرحيين القدماء من الإنجليز، في سماه "نماذج" من كتابات كتاب المسرح الإنجليزي الذين عاشوا قريبا من عصر شكسبير، ولقد نشر هذا الكتاب من حوالي خمسة عشر عاما. واختصارا، فإن فضائله ونقائصه، سيؤخذ في تعديدها إلى آخر كتاب لمستر أبكوت- يبدو أنه ناقد لأعماله من معاصريه - ثم إنها لن تروى على حقيقتها، ولقد مات سنة 1800 وهو مأسوف عليه أشد الأسف " التوقيع : تشارلز لام".

لقد قيل أنه تفوق على نفسه في مجموعته الثانية: "آخر مقالات (أيليا) ولقد مات مأسوفا عليه". ولقد أكد النقاد أنه مات مأسوفا عليه أكثر مما كان يحلم به.
فهل تعرفون سيرة بهذا الحجم لكاتب معاصر - تفوق على نفسه- أوجزها في مقالة؟