Atwasat

بين الشورى والديموقراطية

عمر أبو القاسم الككلي الأحد 21 أكتوبر 2018, 01:12 مساء
عمر أبو القاسم الككلي

كثيرا ما يستخدم مصطلح "الحكم الرشيد" أو "السلطة الرشيدة" إشارة إلى نظام الحكم العادل الخالي من الظلم. هذا المصطلح يستخدمه الإسلاميون مشيرين به، صراحة أو ضمنا، إلى الحكم الإسلامي المثالي، ألا وهو الخلافة الإسلامية. بيد أن هذا المصطلح بالغ الغموض. لأن الخلفاء في التاريخ الإسلامي لم يكن معظمهم راشدين، ومن ناحية أخرى: ما هي مؤسسات الحكم الرشيد التي تضمن رشده ورشاده؟.

أثبت التاريخ أنه لم توجد أنظمة حكم رشيدة مستدامة دون وجود مؤسسات راشدة ومرشدة، مستقرة ومستقلة، تفرض، دستوريا وقانونيا، هذا الرشد وتلزم به الحاكم. يتم التحجج بمبدأ "الشورى"، وهو مبدأ بنفس غموض أخيه مصطلح الحكم الرشيد. ذلك أن الشورى لم تمارس في التاريخ الإسلامي من خلال مؤسسة، وإنما مورست 1 على نحو كيفي وفي نطاق بالغ المحدودية. فالرسول في حياته كان يستشير أصحابه المقربين المعدودين في بعض المسائل التي لم يحسم أمرها نص قرآني. وبعد وفاة الرسول لم يكن ما حدث في سقيفة بني ساعدة شورى، وإنما كان تنافسا على السلطة بين الأنصار والمهاجرين وحسمته مبادرة عمر بن الخطاب بمبايعة أبي بكر، وهي الخطوة التي قيض لها أن تشق طريقها بفضل الانقسامات الموجودة داخل الأنصار بين الأوس والخزرج، وتلك الموجودة داخل قريش بين السابقين إلى الإسلام (المهاجرين) والذين اضطرتهم إليه الهزيمة المطبقة بفتح مكة، إضافة إلى الانقسامات القبلية والعشائرية داخل قريش ككل.

وقبل أن يموت أبوبكر أوصى بالخلافة لعمر دون أن "يشاور" أحدا. أما عمر فقد عهد، وهو مريض بسبب طعنة أبي لؤلؤة المجوسي، إلى ستة أشخاص من الصحابة باختيار خليفة من بينهم، وأسفر الأمر عن اختيار عثمان بن عفان الذي انتهت خلافته بالثورة عليه وقتله، ونتج عن ذلك، عبر تطورات وتفاعلات لأحداث وصراعات متداخلة، ما يعرف بالفتنة الكبرى.

وإذن، لم تطبق الشورى بالمعنى الذي يعنيه قادة الإسلام السياسي والمفكرون الإسلاميون المعاصرون من مبدأ الشورى حيث يطمحون إلى أن يكون بديلا للديموقراطية الغربية. "ومع أن اصطناع مبدأ إلزاميتها [الشورى] أدى منذ عقود - ويؤدي اليوم - وظيفة سياسية وإيديولوجية إيجابية مزدوجة: تجريد الاستبداد السياسي المعاصر من أية شرعية دينية، والإيحاء بأن صلة وصل بين الديموقراطية والشورى مؤكدة، إلا أن تأسيس الوظيفة تلك على سوابق التاريخ شأن عسير جدا، لأن فيه قدرا من الاصطناع يجافي معطيات الواقع"2.
. وهذا يؤدي إلى القول "أن فكرة الشورى في الفكر الإسلامي المعاصر، ليست من نسل الفقه السياسي الإسلامي التقليدي (= فقه السياسة الشرعية)، [...] وإنما هي من ثمار الفكر السياسي الليبرالي الحديث وآثاره في الوعي العربي والإسلامي منذ القرن التاسع عشر"3. وبذا يمكن القول أن الشورى "بدأت [...] مع عمر وانتهت في أول اختبار لها"4.

ونستخلص من هذا كله أن المطالبين بإعمال مبدأ الشورى الآن إنما يمتشقونه سلاحا ضد مبدأ الديموقراطية.

الهوامش
1- للإلمام بتفصيل وتحليل دقيقين حول هذه النقطة ينظر: الدكتور عبد الإله بلقزيز، الفتنة والانقسام، ط3 ، مركز دراسات الوحدة العربية، بيروت 2015، الفصل الرابع: الشورى وإعادة تكوين السلطة ص 75- 109.
2- م. س. ص 78- 79
3- م. س. ص 79
4- م. س 97