Atwasat

محمود!!

صالح الحاراتي الخميس 18 أكتوبر 2018, 11:07 صباحا
صالح الحاراتي

محمود صديق عزيز ربطتني به علاقة قديمة ولكن الأيام فرقت بيننا، حيث أتاحت له طبيعة عمله كثرة الترحال، وكانت تجربته الحياتية زاخرة، ولذا كنت أتحين فرصة اللقاء به أو التواصل معه لكي أستمع له وهو يحدثني بكل شفافية عن مغامراته الخاصة والمواقف الطريفة والمحزنة التى مر بها، وتقييمه للشخصيات التي قابلها أو تعامل معها بحكم وظيفته.

كان يخصني ببعض خصوصياته، وأنا كذلك. ربما لا نلتقي كثيرا، ولكن الود موصول بيننا بلا انقطاع، وكثيرا ما اتفقت رؤانا حول ما يجري في بلادنا ماضيا وحاضرا، وأظن أن نمط تفكيرنا متقارب، بل أكاد أجزم أنني لم ألتق كثيرا بمن هم مثل محمود، ذلك الصنف الشفاف الذي يملك الشجاعة لأن يعترف بأخطائه ويتحدث معي بكل صدق وشفافية كيف استفاد منها وصوبها وكيف تعامل معها، ربما الفضل لطبيعة عمله وترحاله المتكرر خارج البلاد الذي أتاح له فرصة لكي يتعرف على بيئات وأنماط حياة مختلفة ومواقف كثيرة ساهمت فى إغناء تجربته الحياتية، واكتسابه سعة الصدر وقبوله للآخر المختلف وسعة الأفق التى يتمتع بها.

استقر المقام به أخيرا فى البلاد وبدأ يفكر، كما هى عاداتنا، ببناء بيت جديد يضع به "تحويشة العمر" وانطلقت المرحلة الأولى للبناء بإنجاز الهيكل الخرسانى وكنت أتابع معه ذلك الإنجازلأننى سبق لى إنجاز (قبر الدنيا) كما يسميه عامة الناس لدينا، انتقل بعدها إلى المراحل اللاحقة وكانت مساعدتى له حينها بالمشورة وعرفته على أهل الاختصاص من الحرفيين وكان محمود فى غاية الامتنان لذلك لأنى وفرت عليه كثيرا من الوقت والجهد والمال، وعبر لي مرات عديدة عن ذلك الامتنان حتى اني رجوته ألا يكرر ذلك لاحقا.

اقترب مشهد البناء من نهايته واكتملت خطوات التشطيب النهائية ولم يتبق إلا بعض اللمسات البسيطة. عصر احد الأيام وبلا موعد، مر محمود ببيتى وطلب مني مرافقته للذهاب غلى بيته الجديد.

وصلنا هناك، كنت بجانبه وهو يقف امام بيته الجديد وهو يطلب مشورتي ورأيي، كان يفكر في ما قيل له من ان الشارع سوف تتم توسعته مستقبلا.
هنا سيكون مكان السور الجديد، هذا جيد لامشكلة، يمكن زرع مساحة من "النجيلة" أمام البيت حتى تتم التوسعة. ما رأيك يا صالح، فكرة جيدة، وماذا عن الباب؟ آه سيتغير إلى الجانب الشرقى؛ ربما نرمم الموجود ونضيف إليه بعض التحسينات أو نستبدله بباب جديد حسب الظروف.

سألت محمود ماذا عن ذلك الشرخ الذي ظهر فى الحائط، فرد بالقول: قالوا لي هناك مشكلة "تمدد وترييح مبانٍ" طبيعي ولا خوف منه.

جلسنا بعدها في الحديقة حتى المغرب استكمالا لحديث بدأناه ونحن في الطريق إلى بيته الجديد.. كان محمود قلقا يفكر في العريس الذي تقدم لخطبة إبنته، وأخذ يحدثني حول مخاوفه وهواجسه بخصوصه، سألته واستفسرت منه وتبين لي أنها هواجس غير ذات قيمة، حاولت بعث الطمأنينة في قلبه، بتفنيد كل تلك الهواجس؛ ابتسم وقال هذا رأيك يا صديقي، فقلت نعم، فرد قائلا على بركة الله.

انتقل حديثنا إلى الحب والزواج وعرجنا على السياسة والحياة وتبادل معي النكات والضحك. فهو لماح وصاحب روح مرحة لا تمل من الاستماع إليه؛ أوصلني إلى بيتي وانطلق مودعا على وعد باللقاء غدا.

..الساعة الخامسة عصر اليوم التالي أبلغني إبراهيم هاتفيا، بأن صديقي محمود انتقل إلى رحمة الله.