Atwasat

بنغازي 1961 (2/2)

سالم الكبتي الأربعاء 17 أكتوبر 2018, 11:13 صباحا
سالم الكبتي

في تلك الأيام طالت التهمة والتحقيق من قبل النيابة العامة في ولاية برقة عبدالقادر العلام، ومحمد منصور المريمي، وإبراهيم حماد، ويونس محمد الحاسي، ومحمد عبد الرازق مناع، وطاهر علي بوسنينه، وعبد الله محمد الفزاني، ومحمد مسعود الفزاني، وصالح حسن البكوش، وسالم مفتاح دهش، وناصر عبد السلام الكزه، والكيلاني عبد السلام الضريريط، ومصباح سليمان رقرق، واتهمتهم النيابة بأنهم فى سنة 1956 وفى المدة بين شهر ديسمبر 1960 ويوليو 1961 اتفقوا وعملوا على إنشاء تنظيم سري، باستعمال العنف والإرهاب وبأي وسيلة أخرى غير مشروعة لقلب نظم الدولة الأساسية السياسية بالاستيلاء على الحكم في ولاية برقة ولم تقع الجريمة.

وكان السيد عبد القادر العلام من وجهاء قبيلة العبيدات المعروفين وسفيرا لليبيا فى العراق، وكان قد منع من التقدم للترشيح فى مجلس النواب عام 1956 وأضحى لاحقا وزيرا للدفاع ثم المواصلات فالخارجية، وكان صاحب فكرة حزب الوطنيين الأحرار على المستوى الشخصي التي لم تستمر، وقد فاتح بشأنها بعض الشخصيات في طرابلس في مقدمتهم علي الذيب ومصطفى ميزران وفاضل المسعودى وعبد العزيز الزقلعي ومحمد الزقعار، غيرأن الفكرة التي كانت سلمية لم يكتب لها الاستمرار والنجاح.

تم القبض على السيد عبد القادر العلام وأودع في سجن بنغازي مع آخرين، واستدعي من قبل المستشار مصطفى المهدوي ومثل للتحقيق أمام محمد بن يونس، فيما اختلطت الأمور والشبهات وحامت الأقاويل والظنون حول البعض ممن شملهم الاتهام بعلاقتهم مع سفارة مصر والمركز الثقافي المصري في بنغازي، ثم ذكر البعض منهم أثناء سير التحقيق الأمير الحسن الرضا ولى العهد بأنه يؤيد ما حدث ويموله من جيبه الخاص، ونفى ذلك نفيا قاطعا أمام النيابة من قبل السيد العلام، الذي اعتبر أن ماحدث له مجرد تدبير ماكر ومنحط انساق إليه عقل المسؤول الحكومي الذي فكر في هذه المكيدة ودبرها على حد دفاعه، وما أبداه في مذكراته التي قدمها للنيابة ولولي العهد شخصيا.

شملت التهمة مجموعة من الشباب من مدينة بنغازي والمرج بعضهم كان يعمل في الإرشاد الزراعي بنظارة الزراعة، ولعدم صحة الاتهام تجاه السادة ناصر الكزه والكيلاني الضريريط ومصباح رقرق لم تواصل النيابة التحقيق بشأنهم. كان حماد ومناع في السجن جراء تهمة مخطوط كتاب ليبيا العربية في مفترق الطرق، وطالهما التحقيق مع محمد المريمي بتهمة الاتصال والمفاتحة مع السيد العلام الذي أنكر علاقته بهم ونفى أن يكون قد اجتمع معهم أو التقاهم في فترة سبقت الإعلان عن القضية التي لم تستمر طويلا وحفظت أوراقها وأطلق الملك سراح السيد العلام من السجن الذي أضحى بعد فترة سفيرا لليبيا فى المغرب كما أخلي سبيل بقية المتهمين ماعدا حماد ومناع.

ولعل فكرة التنظيم أو الحزب لم تكن واضحة المعالم لدى البعض وتم تأويلها تأويلات بعيدة إضافة إلى أن الواقع المحلي كان لايهتم كثيرا بهذه الأفكار أو تشكيل الأحزاب فقد أراد السيد العلام وفقا لتصوره من خلال تشكيل الحزب الإصلاح والتنبيه إلى الاخطاء وترشيد الخطوات أمام المسؤولين في الولاية والدولة لكنها قد تكون فهمت بمفاهيم أخرى دخلت في منطقة المحظور والالتباسات والظنون.

تلك صفحة قد انطوت من صفحات عام 1961 شهدت مداولات وتحقيقات وكتابة مذكرات واستشارات قانونية والتفاصيل كثيرة فى هذا السياق لكنها أشارت فى كل الأحوال بأن ثمة محاولات وإن لم يكتب لها التوفيق توخت الإصلاح والتغيير من قبل بعض المسؤولين المهمين في الدولة الذين أحاطوا بالظروف داخل البلد وخارجه.

ورغم ماحدث وهمست به الشفاه في الأحاديث واللقاءات وشهدته نيابة بنغازي والسجن الرئيسي فإن الحكومة الاتحادية والسلطات في ولاية برقة لم تعلن شيئا عن مسار التحقيق أو قضية الحزب والتنظيم التي باتت رهينة ملفات النيابة والمباحث فيما سكتت الصحف والإذاعة عما يتصل بالموضوع تماما وصارت فكرة الحزب فى ذمة التاريخ .

بعد يوليو حل أغسطس وفي اليوم التاسع منه أقيم الاحتفال بالعيد الحادي والعشرين لتاسيس الجيش. عرض عسكري كالعادة للجيش والبوليس وفئات أخرى رياضية وكشفية. كان هذا العرض يتم في بنغازى في شارع الاستقلال والمنصة الرئيسية تواجه الجامعة الليبية التي شهدت شرفتها أيام كانت قصر المنار إعلان الاستقلال.

وصل رئيس الحكومة السيد محمد عثمان الصيد، وفي المنصة توسط عن يمينه الفريق محمود بوقويطين قائد قوة دفاع برقة وعن يساره اللواء السنوسي الأطيوش رئيس أركان الجيش وحين بدأ قبل العرض في إلقاء خطابه أمام الجموع الحاضرة وليصل عبر الإذاعة إلى المستمعين في أنحاء ليبيا لم يصل شيء مما قاله إلى هؤلاء جميعا وحصلت ربكة واضحة وإحراجات وتسربت الأقاويل أيضا بأن ماحدث كان مقصودا وأن كان هناك تفكير لتفجير المنصة وتخريب أجواء الاحتفال وحدثت تداعيات بدأت واستمرت ولم تنته وأبعد على أثرها من الإذاعة محمد علي التاجوري وبالعيد سليمان العبيدي وكانا يتوليان مسؤولية النقل الخارجى من الهندسة الإذاعية وكان مذيع الحفل على الهواء كبير المذيعين فرج الشريف الذي لاحقه اتهام ومشاكل كان بعيدا عنها ولم يعلم عنها شيئا من قبل أحمد فهمي الهمالي مدير عام وزارة الأنباء والإرشاد. رجل الإعلام وصوت الحكومة.

ثم وضحت الحقيقة بأن كبير المذيعين لم يكن على إحاطة بما حدث وفوجيء أثناء وصفه للحفل به مثل بقية المواطنين الذين لم يعلموا أيضا بما دار فى أجواء المنصة تلك اللحظة ومابعدها فى محطة الإذاعة.
وتلاحقت مشاهد 1961 في بنغازى. ألغيت وكالة المصالح الليبية الأمريكية المشتركة وقدم السيد حسين مازق استقالته واليا لبرقة وعين بدلا منه الشيخ محمود بوهدمة. وأعلن عن حركة تمرد في الجيش على أثر إقالة اللواء السنوسي الأطيوش من رئاسة أركان الجيش وتعيين نائبه اللواء نوري الصديق إسماعيل في منصبه.

مجموعة من ضباط الجيش في حامية المرج رفضوا ماحدث وقاموا بحركتهم المعروفة وشملت: عابد جادالله وفرحات العماري وخليل العبار وسالم الفرجاني وعبدالوهاب العاشق وإدريس سعد المنفي وآخرين . حوكم الضباط وأدخلوا السجن في بنغازي والتقوا هناك مع قضية كتاب مناع والمطرب محمد صدقى الذي كان أيضا يقضي عقوبة في موضوع لادخل له بالسياسة. عسكر ومدنيون وقضايا متعددة والسجن على البحر يضمهم وبنغازي تستعيد أحاديثها في المقاهي والأندية. أفرج عن مجموعة الضباط وأطلق سراحهم وفقا للعفو وتخفيف العقوبة الصادرة بحقهم. كان التسامح والتصالح يغلب على الأجواء في البلاد.

ثم احتفل في اكتوبر بافتتاح ميناء البريقة من قبل الملك ودشنت أول شحنة من البترول إلى الخارج لتشهد البلاد في المراحل اللاحقة تبدلات كثيرة على مستوى الدولة والأفراد.

طفرات اقتصادية ورخاء حذر الملك من مشاكله فالذهب الأسود قد يكون مع الأيام أسود جدا. وابتهجت البلاد بعيدها العاشر. وصلت وفود من العالم إلى بنغازي الصغيرة وأقيمت المهرجانات في طرابلس وفزان وعبر تلك الأصداء ضاعت مشاهد ومعالم لقضايا وأحداث ظلت في أوراق الذكريات. لم يتحدث عنها أحد في بنغازي ونسيها الناس هناك. بنغازي في أحيان كثيرة تغض الطرف عما يحدث فيها!!